النزاع لفظيا ، الا ان الخصم لا يكتفى بذلك ولا يقنع ، بل هو مصر على ان فى النفس معنى آخر غير هذه المعانى هو الكلام حقيقة ، ويأتى إن شاء الله عن قريب بيانهم وكلامهم.
ثم الدليل على هذا المذهب امور :
الاول ان عمومية قدرته مع ان الكلام النفسى غير معقول وان الكل مجمعون على انه تعالى متكلم دليل على ثبوت الكلام له تعالى بهذا المعنى.
الثانى ان لكلام الله تعالى خواص ذكرت فى الكتاب تمتنع على المعنى القديم القائم بذات الله تعالى وتصح على المعنى الّذي قلناه ، وتلك الخواص كونه مسموعا لقوله تعالى : ( وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ ) ، وكونه متلوا لقوله تعالى : ( لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا ) وكونه ذكرا لقوله تعالى : ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ) ، وكونه عربيا لقوله تعالى ( أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ) ، وكونه منزلا لقوله تعالى : ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ ) ، وكونه محدثا لقوله تعالى : ( ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ ) ، وكونه فى لوح محفوظ لقوله تعالى : ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) ، وغير ذلك.
الثالث ان ما ادعوه على الله تعالى من الكلام النفسى لم يذكره ولا اثرا منه فى كتاب من كتبه ولا على لسان نبى من انبيائه ولا وصى من اوصياء رسله ، ولم يكن له اسم ولا مفهوم عند احد من خلقه ولا فى تأليف من التآليف ولا فى كتاب من كتب اصحاب الادب واللغة ولا فى شعر احد من الشعراء حتى وصل الامر الى الشيخ الاشعرى او شيخ آخر لهم مسمى بابى محمد عبد الله المتكلم البغدادى فى القرن الثالث كما قيل ونقل فى حاشية احقاق الحق ، فهو كشف عن مكنون حقيقته واظهر اسمه وتكلم برسمه وابان مفهومه مع ان العقلاء باجمعهم فى زمانه الى اليوم صرحوا بانا لا نعقل هذا المعنى ولا نتصوره الا المقلدين له على رسم العصبية وعادة التقليد ، وان هم الا يخرصون فقتل الخراصون.
ان قلت : وقع هذا المعنى فى قول الشاعر :
ان الكلام لفى الفؤاد وانما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلا |
قلت : لم اجد لقائل هذا الشعر اسما ولا تاريخا ، ولعله احد من الاشاعرة ،