الاول ما ذكره هنا ، وهو ان الواجب الوجود يمتنع عليه الجهة والحيز وغير ذلك من شرائط كون الشيء مرئيا التى مضى ذكرها فى المسألة الثالثة عشرة من الفصل الرابع من المقصد الثانى وكل ما يمتنع عليه هذه الشرائط يمتنع عليه الابصار فواجب الوجود يمتنع رؤيته ، وقوله : لان كل مرئى فهو فى جهة عكس نقيض للكبرى المذكورة.
ثم ان المجسمة منكرون للصغرى ، وقد تبين بطلان عقيدتهم فيما مر ، والاشاعرة لهم كلام فى اشتراط تلك الشرائط مر هناك ، ومنكرون للكبرى ، قال الرازى فى الاربعين : هذا قياس للشاهد بالغائب فان امتناع ابصار الاشياء التى نشاهد ها عند انتفاء هذه الشرائط لا يستلزم امتناع ابصاره تعالى عند انتفائها اذ لعله تعالى يمكن رؤيته وان لم يكن هذه الشرائط حاصلة لان المختلفين لا يجب استوائهما فى الحكم ، ثم قال : وهذا سؤال لا محيص عنه ، والجواب ان الكلام ليس فى حكم الشاهد والغائب واختلافهما او اتفاقهما فى الاحكام ، بل الكلام فى حكم الرؤية والابصار ، فاذا ثبت بالوجدان والبرهان ان ابصارنا لا يتعلق الا بما يجمع هذه الشرائط كائنا ما كان فلا فرق بين الشاهد والغائب ، ثم ان غيبته ليست الا من جهة امتناع رؤيته بمشاهدة الابصار والا فهو على كل شيء شهيد.
الثانى لو صحت رؤيته لكنا نراه ، والتالى ظاهر البطلان ، وبيان اللزوم ان صحة الشيء مع شرائط الوقوع تصل الى الوقوع ، والشرائط حاصلة لان الخصم لا يشرط فيما نحن فيه الا سلامة الحاسة وعدم الحجاب ، وهما حاصلان.
ان قلت : ان من المتكلمين كضرار بن عمرو وحفص الفرد وسفيان بن سحبان يزعمون ان الله تعالى يخلق لعباده فى المعاد حاسة سادسة يدركونه بها على ما نقل الاشعرى فى المقالات ، والاشاعرة يقولون : انه تعالى يرى يوم القيامة لا فى الدنيا كما يرى القمر ليلة البدر ، يراه المؤمنون لا الكافرون ، والمجسمة يقولون انه يرى مطلقا ، فبطلان التالى غير مسلم عند الخصم ، قلت : ان ذلك كله خرص لا دليل لهم عليه الا ظواهر آيات واخبار يأتى توجيهها ، وادلة الامتناع مطلقة ، والسمعية منها صريحة