يا رب انك قد سمعت مقالة بنى اسرائيل وانت اعلم بصلاحهم ، فاوحى الله جل جلاله إليه يا موسى اسألنى ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم ، فعند ذلك قال موسى عليهالسلام : رب ارنى انظر أليك قال لن ترانى ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه وهو يهوى فسوف ترانى ، فلما تجلى ربه للجبل بآية من آياته جعله دكا وخر موسى صعقا ، فلما افاق قال سبحانك تبت أليك يقول رجعت الى معرفتى بك عن جهل قومى وانا اوّل المؤمنين منهم بانك لا ترى ، فقال المأمون : لله درك يا أبا الحسن.
ثم قال الصدوق رحمهالله : ولو اوردت الاخبار التى رويت فى معنى الرؤية لطال الكتاب بذكرها وشرحها واثبات صحتها ، ومن وفقه الله تعالى ذكره للرشاد آمن بجميع ما يرد عن الائمة عليهمالسلام بالاسانيد الصحيحة وسلم لهم ورد الامر فيما اشتبه عليه إليهم اذ كان قولهم قول الله وامرهم امر الله وهم اقرب الخلق الى الله عز وجل واعلمهم به صلوات الله عليهم اجمعين.
اقول : كفى ما فى هذه الرواية من بيان الامام عليهالسلام جوابا لما اعترض الاشاعرة كما فى شرح القوشجى والاربعين للرازى وغيرهما على تفسير الآية بان السؤال كان لقومه.
قول الشارح : وهذا متعذر فى حقه تعالى الخ ـ اقول : ان الخصم الاشعرى قد تسلم ان النظر الّذي هو سبب الرؤية متعذر فى حقه تعالى لانه يستلزم ان يكون المنظور إليه فى جهة ، وامتناعه مسلم عنده ، فاذا كان الامر كذلك فالرؤية التى هى مسببة عن هذا السبب أيضا متعذرة لان امتناع السبب يستلزم امتناع مسببه ، فلا معنى لارادة المسبب من ذكر هذا السبب ، فالكلام هنا على تسلم الخصم لذلك ختم ، فالنظر فى الآية بمعنى آخر ، وسيأتى.
قول الشارح : المنع من إرادة هذا المجاز الخ ـ اى نمنع من ان النظر المقرون بالى يفيد الرؤية ويستلزمه حتى تراد به الرؤية مجازا اذ يقال نظرت الى الهلال فلم اره ، وذكر اهل اللغة ان معنى نظر إليه مد طرفه إليه رآه او لم يره. فحينئذ اما ان يراد به نظر العين بدون تقدير او مع تقدير او يراد معنى آخر له ولا لى معنى آخر