والمسببات فهو حق ، ولكنه لا يستلزم عدم تعلق إرادة العبد بفعله لانها من جملة اسباب فعله على ما مر بيانه ، وفى كلام الامام عليهالسلام اشارة الى هذا حيث قال : ولا غيره يريدون ، اى لا يقع فعل منهم بإرادتهم الا طبقا لما علم تعالى فى الازل.
ان قلت : اذا كان إرادة العبد أيضا باسباب ليست بيده بل بيده تعالى والاسباب منتهية الى ارادته تعالى ففعل العبد وارادته مسخر مقهور تحت ارادته تعالى فالعبد ليس مخلى فى مقام ارادته الا فى ظاهر النظر ، قلت : ارادته مستندة الى ذاته المتصفة بالاختيار ذاتا كما مر بيانه ، وذاته مخلوقة لله تعالى بالاسباب ، لا ان ارادته تابعة للاسباب المنتهية الى إرادة الله تعالى منحازة عن ذاته ، وما يفعل او يفعل به فى دار الوجود فانما هو بذاته التى خلقها الله مختارة ، وتوابع ذاته من خير او شر ترجع الى ذاته ، وهذا هو سر الامر ، وينكشف يوم الفصل وما ادراك ما يوم الفصل.
ان قلت : ان الله كان يعلم عاقبة كل عبد ويعلم ان اكثر العباد يجرون على الضلالة ويكتسبون شقاوة الدار الآخرة باختيارهم ويخلدون فى العذاب ، فلم جعلهم مختارين حتى يحصل لهم هذه العاقبة ، قلت : ان الاكثرية ممنوعة اذ لا نعلم احوال العباد حين رحلتهم عن هذه الفانية ، ولا نعلم مقدار بقائها واحوال العباد فيما يأتى من الزمان الى يوم القيامة ، فلا يبعد ان يكون عدد السعداء فى الآخرة اكثر بمراتب عن عدد الاشقياء لا سيما نظرا الى فضله وكرمه وعميم رحمته تعالى ، وترك الخير الكثير للشر القليل قبيح ، وان الخير الّذي اعد الله تعالى لعباده فى الآخرة لا يصل إليهم الا باختيارهم ، قال الصادق عليهالسلام على ما فى باب الاحتجاجات من البحار فى جواب من ساله : فاخبرنى عن الله عز وجل كيف لم يخلق الخلق كلهم مطيعين موحدين وكان على ذلك قادرا؟
قال عليهالسلام : لو خلقهم مطيعين لم يكن لهم ثواب لان الطاعة اذا ما كانت فعلهم ولم تكن جنة ولا نار ، ولكن خلق خلقه فامرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته واحتج عليهم برسله وقطع عذرهم بكتبه ليكونوا هم الذين يطيعون ويعصون ويستوجبون بطاعتهم له الثواب وبمعصيتهم اياه العقاب.