لمرحلة الرابعة هداية التشريع وهى جعل الاحكام والآداب والسنن ليتمكن الذين قبلوا الدعوة ان يسلكوا سبيل ما دعاهم إليه النبي ، والضلالة فى هذه المرحلة كالسابقة من العبد لانه تعالى لم يترك امة ارسل إليهم رسولا بلا كتاب وميزان وتكليف ، وان شئت فقل من الله باعتبار انه تعالى لا يهدى العبد فى هذه المرحلة بالجبر والالجاء اذا لم يقبل هو باختياره دعوة الداعين إليه ، وعدم هدايته تعالى للعبد فى هذه المرحلة مع تقصيره فى المرحلة السابقة ليس بقبيح وهو ظاهر ، بل الهداية بالالجاء نقض لغرضه تعالى ، وإليها اشير بقوله تعالى : ( الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) ، وبقوله تعالى : ( وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ).
المرحلة الخامسة هداية اللطف ، وهى خاصة بمن اعتنى والتزم باحكام التشريع وسننه وراعى طريقة التقوى حق رعايته ، فان الله تعالى يحمى عبده الصالح المجتنب عما يسخطه ويكرهه عن مضار الدنيا ويجنبه عن مضلات الفتن ويلطف به الطافا ظاهرة او خفية حتى يخرج من الدنيا سالما دينه راضيا عنه ربه ، وهذا اخص من اللطف المبحوث عنه فى المسألة الثانية عشرة ، والاضلال فى هذه المرحلة من الله تعالى ، لكنه ليس بقبيح فانه تعالى لا يحسن ان يلطف هذا اللطف بمن يخالفه باختياره ويعانده بترك الاتباع لرسله وانبيائه اذ ليس له اهلية ذلك ، وان شئت فقل من العبد باعتبار انه حرم نفسه عن هذه الهداية بترك الاهتداء فى المرحلة السابقة ، وإليها الاشارة بقوله تعالى : ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، وبقوله تعالى : ( أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ).
المرحلة السادسة هداية الفلاح والاثابة فى الآخرة ، ومقابلها الاضلال بمعنى الهلاك والتعذيب ، والى ذلك اشير فى قوله تعالى : ( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ ) ، وفى قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) ، وهذه من الله تعالى باعتبار ومن العبد باعتبار كالمرحلة الخامسة.