المعلومة للناس فهو الامر المعتاد كاكثر الوقائع ، واما لا يكون سببه ظاهرا معلوما ، فهو اما يكون سببه جاريا فى سبيل العادة الطبيعية غير خارج عن مجرى الطبيعة بحيث يمكن الناس ان يهتدوا إليه بافكارهم ويأتوا بمثل ما اتى به صاحبه وان كان فى الحال خفيا عليهم سببه كالسحر والشعبدة وما صنع السامرى وكثير من صنائع العصر فهو الامر الغير المعتاد ، واما يكون سببه خارجا عن مجرى الطبيعة غير جار فى سبيل العادة الطبيعية فهو الامر الخارق للعادة ، والناس لا يهتدون إليه بافكارهم وان بلغت ما بلغت ، ولا يقدر عليه احد من العباد الا باذن خاص ممن بيده ملكوت كل شيء ، ولا ريب ان له سببا لان الحادث لا بد له من سبب حادث الا انه ليس كسائر الحوادث من حيث جريان الاسباب ، وقد عرفت ان غير المعتاد اعم من الخارق للعادة ، فالمعجزة هو الامر الغير المعتاد ثبوتا او نفيا الخارق للعادة ، وانما اتى بكلا الامرين فى التعريف مع كفاية الاتيان بالخارق للعادة فقط لانهما جزءان له احدهما الجنس والاخر الفصل ، والمعرفة بالشيء يحصل بالفصل كقولنا : الانسان ناطق ، لكن الاحسن الاتم اتيانهما معا كقولنا : الانسان حيوان ناطق.
ثم ان من خواص كونه خارقا للعادة امكان ان يتحدى به وامتناع ان يعارض بمثله.
فحاصل كلام المصنف ان من يدعى النبوة اذا ظهر على يده المعجزة وكان دعواه طبقا لها بان يقول انا نبى الله ومعجزتى قلب العصا حية او شق القمر نصفين او احياء الميت وحصلت هذه الامور كما هى عرف انه صادق فى دعواه ويجب بصريح حكم العقل تصديقه واتباعه.
اذا تبين لك هذا كله علمت ان ما ذهب إليه الشراح من اخذ قوله : مطابقة الدعوى جزءا من تعريفه ليس على ما اراده المصنف ، وان ما اعترض الشارح القديم على المصنف بقوله : وقول المصنف مع خرق العادة زيادة يغنى عنه فان كل واحد من قوله : ثبوت ما ليس بمعتاد او نفى ما هو معتاد يكون خرقا للعادة ، وكذا ما اعترض عليه القوشجى بقوله : واما قول المصنف مع خرق العادة فهو لغو محض ولعله من طغيان القلم خطاء ناش من الجهل بمراد المصنف.