قال فى البحار فى مجلد تاريخ نبينا صلىاللهعليهوآله : واما وجه اعجازه فالجمهور من العامة والخاصة ومنهم الشيخ المفيد قدس الله روحه على ان اعجاز القرآن بكونه فى الطبقة العليا من الفصاحة والدرجة القصوى من البلاغة الخ ، والمحتمل تبدل الرأي للمفيد رحمهالله من احدهما الى الآخر.
ثم ان صرفه تعالى اياهم اما بسلب قدرتهم على الاتيان بمثله وان كانوا قادرين عليه قبل البعثة ، او بحجب علمهم بنظم كلام مثله ، او بقطع دواعيهم الى ذلك.
اقول : ان القول بالصرفة بصورها الثلاثة باطل وان ذهب إليه هؤلاء الاعلام لما ذكره الشارح رحمهالله من ان الانسب حينئذ كونه انزل عن كلام عامة العرب وادخل فى الركاكة لان عدم تيسر المعارضة بالكلام النازل ابلغ فى خرق العادة ، ومن ان فصاحته العليا كانت مدركة لهم بالذوق الطبعى ولمن يدرك الفصاحة بالذوق الكسبى بتمرن العلوم العربية والآداب الكلامية وموردا لعجبهم ، وكانوا يستعظمونها بل ربما يرقصون ويترججون عند استماع الآيات ، اللهم الا ان يقول القائل بالصرفة : ان الله تعالى كما صرفهم عنه قلب فهمهم وادراكهم فادركوا ما لا يقصرون عن اتيانه مكان ما يقصرون فاستعظموا وتعجبوا منه.
الثانى مذهب غير الصرفة بان يكون كتاب الله تعالى وكلامه فى نفسه امرا خارقا للعادة فوق القوى البشرية ، وهذا مذهب الجمهور من العامة والخاصة ، ولكن اكثرهم اقتصروا بذكر جهة الفصاحة والاسلوب ، وهو قصر فى حق القرآن لانه شامل لجهات كثيرة ، كل منها خارج عن طاقة البشر ، معجز بحياله لمن ادركه بقدر فهمه وادراكه ، وقد تحدى القرآن بتلك الجهات لا بالفصاحة والاسلوب فقط لان الامر لو كان كذلك لم يتعد التحدى شعوب العرب لان من المستقبح ان يتحدى بهما من ليس من اهلهما اصلا كما يقبح من عالم فلسفى ان يقول لطفل ابن ثلاث سنين : ان لم تصدقنى انى عالم بالعلوم الفلسفية فأت نبحث فى مسائلها ، لكنه تحدى جميع الجن والانس بقوله : قل لئن اجتمعت الجن والانس على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.