كراهة ان تهدر صبابة من الايمان بقيت فى آحاد من المسلمين كما تنفس بما كان يتغلغل فى صدره ازمانا فى الخطبة الشقشقية وغيرها مما يحقق ما قلناه فى تنحيه عن مقامه.
ثم ان الرازى ذكر فى الاربعين بعد ذكر دليل اصحابه هذا الاشكال مع الجواب بهذه الصورة : فان قيل كما فى نصب هذا الرئيس هذه المصالح لكن فيه انواع من المفاسد ، منها انهم ربما يستنكفون عن طاعته فيزداد الفساد ، ومنها انه ربما يستولى عليهم فيظلمهم. ومنها ان بسبب تقوية رئاسته يكثر الخرج فيفضى الى اخذ الاموال عن الضعفاء والفقراء ، قلنا : لا نزاع فى ان هذه المحذورات قد تحصل ، لكن كل عاقل يعلم انه اذا قوبلت المفاسد الحاصلة من عدم الرئيس المطاع والمفاسد الحاصلة من وجوده فان المفاسد الحاصلة من عدمه ازيد من المفاسد الحاصلة من وجوده ، وعند وقوع التعارض يكون العبرة بالرجحان فان ترك الخير الكثير لاجل الشر القليل شر كثير ، انتهى.
اقول : ان المفاسد الدينية والاخروية من الرئيس الّذي استولى على العباد فيظلمهم ويأخذ اموالهم بغير حق ازيد واكثر بما فوق القياس من المصالح الدنيوية التى تحصل منه للذين يتزلفون إليه ويتقربون من سلطانه ويترجرجون حول إمارته ولمن يوافقه او يسكت عن مظالمه من آحاد رعيته كما هو المعلوم فى عثمان والاموية والعباسية ومن بعدهم ، فان الناس قد خرجوا افواجا من دين الله ومالوا الى الكفر والكفار وتأدبوا بآدابهم وتخلقوا باخلاقهم وتعلموا من علومهم وتركوا علوم الدين وسنن سيد المرسلين واستجلبوا الذل لانفسهم والعز لمن قال تعالى فيهم : حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، وكل ذلك ليس إلا من جور الرؤساء وسوء طريقة الائمة والامراء ، وليس ذلك الا لاختيار الناس إماما لانفسهم ، ثم اختيار كل فرقة إماما ، وترك من اختاره الله تعالى لهم ، فلا بد لصلاح امر العباد من ان يترك الناس هذا الاختيار والداعية حتى يظهر من ادخره الله تعالى لتقويم الدين فيسلك بعباد الله عز وجل طريق الصواب ويجرى بهم على مجرى السنة والكتاب ، ولكن الناس لا يأتون الى هذه الفكرة