أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً ) ، فالمعنى ان الخالق لهذه السماوات والارض التى خلقها اكبر من خلق الناس قادر على ان يخلقهم تارة اخرى ، فالآية مسوقة للتنبيه على ان خلق الناس ثانيا بعد فنائهم سهل هين على من خلق السماوات والارض ، واقامة مثل مقام ما يضاف إليه من فنون البلاغة يؤتى به فى الكلام لاغراض ، وقد اتى به فى الآية لافادة هون المقدور بجميع افراده على الفاعل كما يقال : مثل هذا العمل لا يثقل على وانا الّذي فعلت كذا وكذا ، والقرينة الآيات السابقة الناطقة بحكاية انكارهم للخلق الجديد ، فالآية بمعزل عن الدلالة على امكان خلق عالم آخر مثل هذا العالم.
قول المصنف : والكرية الخ ـ تقرير هذه الشبهة على وجه ابسط ان المعاد لو كان جسمانيا استلزم مكانا للحشر ومكانا لتنعم المطيعين ومكانا لتعذب العاصين ، وبالجملة فذلك اما فى عالم آخر جسمانى خارج عن هذا العالم واما فى هذا العالم ، فعلى الاول لزم الخلأ للزوم الكروية ولزم اختلاف المتفقات وانخراق الافلاك ، وكل ذلك محال على ما بين فى الفلسفة.
اما لزوم الخلأ فلان العالم الاخر كرة لان الشكل الطبيعى للجسم لو لا قسر قاسر كروى ، فان تلاقت الكرتان بنقطة او انفصلتا حصل الخلاء بينهما ، والجواب انا لا نسلم وجوب الكرية فى الجسم بطبعه لشهادة الارض ، فان قال قائل : ان الارض كانت فى اوّل تكوينها كروية ثم حصل لها هذه التضاريس من الجبال والوهاد بالقسر قلنا : فليكن العالم الاخر كذلك ، فيخلق عالم آخر ويجعل بالقسر احد اطرافه منبسطا على بعض سطح الفلك التاسع ، فلا يلزم بينهما خلأ.
اقول : قد بينا فى المسألة العاشرة من الفصل الاول من المقصد الثانى ان غاية برهان الحكماء على امتناع الخلأ انه ممتنع فى المكان ، واما فى اللامكان فلا ، وعلى فرض وجود عالم آخر جسمانى كروى كهذا العالم يكون الخلأ بينهما فى اللامكان.
واما لزوم اختلاف المتفقات فلان العالم الاخر مثل هذا العالم فيه العناصر الاربعة ،