فالحكماء قاطبة وقليل من المتكلمين على انها جوهر مجرد متعلق بالبدن تعلق التدبير ، لا يفنى بفناء البدن ويبقى ابدا لتجرده ذاتا عن المادة القابلة للفساد ولواحقها ، وهو مناط كل حكم فى الانسان من حيث هو انسان ، إلا شرذمة من الفلاسفة الاقدمين على اختلاف كثير بينهم ، يبلغ اقوالهم اكثر من عشرة ، فانهم ذهبوا الى ان النفس جسم او جسمانى ، حكاها فى الاسفار عن الشفاء ، واوّلها الى ما يوافق مذهب جمهور الحكماء خلافا للشيخ فانه نقضها وردها.
ثم ان صاحب الاسفار استدل فى السفر الرابع باحدى عشرة حجة على تجرد النفس وبآيات واحاديث لا يقصر جميعها عن اثبات المطلوب وان امكن المناقشة فى بعضها.
ثم ان الصوفية موافقون للحكماء فى تجرد النفس ، لكنهم لم يستدلوا عليه كما استدلوا ، بل تكلموا فيه على سبيل ادعاء الكشف والوجدان بعبارات رمزية وكنائية وبعضها ظاهرة على ما نقلها الاسفار.
واما المتكلمون فمنهم من قال : ان الانسان هذا الهيكل المحسوس مع اعراضه او بدونها ، ومنهم من قال : ان الانسان اعراض ينعدم كالبدن بالموت ، ومنهم من قال. ان الانسان اجزاء جسمانية لطيفة سارية فى البدن باقية ، لا تتغير ولا يتطرق إليها الزيادة والنقصان اما لذاتها او لمنع البارى تعالى عن عروضها ، ومنهم من قال : الانسان مجموع الروح والبدن.
ثم انهم تكلموا فى الروح والنفس والحياة ، فمنهم من ذهب الى انها ليست شيئا وراء البدن ، ومنهم من ذهب الى ان الروح هى الحياة بعينها صار البدن به حيا وبالاعادة إليه يوم القيامة يصير أيضا حيا ، ومنهم من قال : ان الروح هى المزاج ، ومنهم من قال : انه عرض فى البدن ، ومنهم من قال : ان الروح جسم وان الحياة عرض ، ومنهم من قال : ان الروح والحياة الدم الصافى ، ومنهم من قال : ان الحياة عرض وهى غير الروح والروح غير النفس ، وهذه الاقوال مذكورة فى مقالات الاسلاميين وغيره.