عالياته وسافلاته وليس بخارج منه ، ولكنه محيط بهذا العالم من حيث الادراك ، من كان فيه يتمكن من الاشراف والاطلاع على وقائع هذا العالم ان اذن الله تعالى ، واما العكس فلا الا لبعض الاولياء الذين ماتوا وانخلعوا من علاقة هذه الحياة التى ليست الا لعبا ولهوا قبل ان يموتوا بزوال الحركة والاحساس عن هذا البدن.
ثم ان حقائق ذلك العالم كالعالم الاعلى منه لا تدرك الا بالورود عليها والدخول فيها كما اشير فى الحديث : ان الله يقول : اعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، بله ما اطلعتكم عليه ، وهذا يدل على الاختلاف من حيث الحقيقة بين ما هنا وما هناك ، وقياس تلك الحقائق بهذه الحقائق وحصر حقائق الممكنات فى الجواهر الخمسة واعراضها وحصر كل منها فى انواعها واعطاء احكام ما ادركناه لما لم ندركه خرص لا يليق.
كيف وانهم لم يتحققوا حقيقة العقل المجرد المفارق ، بل عرفوه بما انه عقل وذلك من العوارض ، وبما انه مجرد عن المادة ولوا حقها وذلك من السلوب ، ولم يعرفوا حقيقة النفوس الكلية ولا الجزئية ، بل عرفوها بما انها متعلقة بالابدان مدبرة لها محركة اياها ، وان الجزئية منها متدرّجة فى الكمالات العلمية والعملية ، ولم يعرفوا حقيقة الجسم السماوى ، بل قالوا : انها عنصر خامس ، ولم يعرفوا حقائق ما اخبر عنه اصحاب الوحى صلوات الله عليهم من الملك والروح وغيرهما ، بل قالوا : انها مجردات لما سمعوا من اثبات بعض الاحكام لها فى الكتب الالهية والاحاديث الولوية من الاحكام السلبية او العرضية للمجردات.
كيف الحصر وحقيقة الوجود لا يمتنع عليها ان يحددها الله تعالى بحدود غير قابلة الاحصاء لنا غير هذه الحدود التى فى وسعنا ادراكها.
كيف ولا موجود يمكنه ان يدرك الا ما يجده فى ذاته وذيل ذاته وما هو من سنخه فى خارج ذاته بالمشابهة والقياس ، قال الله تعالى : ( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) ، وتقديم الظرف يفيد الحصر ، وقال تعالى : ( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ