بالعكس ، فلو عذب العاصى فى آخر عمره فى تلك الاجزاء لزم اهمال الاجزاء المتحللة قبل ذلك فى الطاعة لعدم اثابتها ، ولو ثوب فى تلك الاجزاء لزم ايصال الثواب الى غير مستحقه ، وكذا الكلام فى المطيع فى آخر عمره العاصى قبل ذلك ، والرابع يستلزم الترجيح من غير مرجح.
فالجواب عن الشبهتين على القول بالمثلية كما عرفت فى المبحث الثانى ظاهر لا مئونة فيه لان المعاد الجسمانى على ذلك لا يستلزم عود البدن الّذي كان له فى الدنيا ، واما على القول بالعينية فالجواب المشهور ما فى كلام المصنف والشارح من ان لكل بدن اجزاء اصلية ، هى باقية من الاول الى الاخر ، لا تتحلل ولا تصير جزءا من غير ذلك البدن ، ولو اغتذى بها احد جعلت عند البعث فى بدن المأكول الّذي كانت تلك الاجزاء اصلية له ، ولا تجعل جزءا من بدن الاكل ، ثم لا بأس بان يلتصق بتلك الاجزاء الاصلية اجزاء اخرى من بدن او غير بدن لان مناط التعذيب والتنعيم تلك الاصلية كالروح فى مذهب من يقول انما المناط هى.
ويؤيد هذا القول ما رواه فى الكافى باب النوادر آخر كتاب الجنائز بالاسناد الى عمار بن موسى عن ابى عبد الله عليهالسلام ، قال : سئل عن الميت يبلى جسده؟ قال : نعم حتى لا يبقى له لحم ولا عظم الا طينته التى خلق منها ، فانها لا تبلى ، تبقى فى القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق اوّل مرة.
اقول : الاستدارة طلب الدور ، والدور هو التحرك عائدا الى ما كان عليه أولا ، واخبار الطينة وان الله عز وجل خلق الخلق من طينتين وماءين كثيرة ذكرها المجلسى رحمهالله فى البحار باب الطينة والميثاق من كتاب العدل ، وهى تدل على ان خلق الناس من جوهر من الجنة والعليين وجوهر من الارض والسجين بعد خلطهما ومزجهما ، والحسنات من العباد يقتضيها احدهما والسيئات يقتضيها الاخر ، فكل منهما تم اقتضاؤه باقتران الامور الخارجة ظهر آثاره ومنع الاخر منعا عن ظهور الآثار ، فذلك السعادة او الشقاوة ، ثم فى يوم الفصل يتزيل بين الجوهرين ويرجع كل الى اصله.