ثم ان هذه الشبهة لم تبلغ فوق الاحتمال ، فلا موجب لرفع اليد بها عن ظواهر الآيات والاخبار من ان الله تعالى يبعث الخلق عن الاجداث وبطون الارض بجمع الاوصال وانبات اللحوم بعد امطار السماء على الارض اربعين صباحا فيعود بدنه الّذي مات عليه مع تغير فى بعض الاحوال والاوصاف اذ من الممكن ان لا يصير اجزاء البدن الانسانى جزءا من شيء ولا جزءا من بدن آكلها ، بل يدفع من باطنه بالتمام من دون ان تتحلل الى اجزاء بدن الاكل كالزيبق والنفط وغيرهما مما لو دخل فى جوف آكل خرج منه من دون التحلل ، كما يومى إليه قول الصادق عليهالسلام فى حديث طويل ذكره فى الاحتجاج عن هشام بن الحكم وذكره المجلسى رحمهالله متفرقا فى البحار وكله فى باب احتجاجات الصادق عليهالسلام جوابا عما قال الزنديق له : وانى له بالبعث والبدن قد بلى ، والاعضاء قد تفرقت ، فعضو ببلدة يأكله سباعها ، وعضو باخرى تمزقه هو أمّها ، وعضو قد صار ترابا بنى به مع الطين حائط ، قال عليهالسلام : ان الّذي انشأه من غير شيء وصوره على غير مثال كان سبق إليه قادر ان يعيده كما بدأه ، قال اوضح لى ذلك ، قال عليهالسلام : ان الروح مقيمة فى مكانها ، روح المؤمن فى ضياء وفسحة وروح المسىء فى ضيق وظلمة ، والبدن يصير ترابا كما منه خلق ، وما تقذف به السباع والهوامّ من اجوافها مما اكلته ومزقته كل ذلك فى التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة فى ظلمات الارض ويعلم عدد الاشياء ووزنها ، وان تراب الروحانيين بمنزلة الذهب فى التراب ، فاذا كان حين البعث مطرت الارض مطر النشور فتربو الارض ثم تمخض مخض السقاء فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب اذا غسل بالماء والزبد من اللبن اذا مخض ، فيجتمع تراب كل قالب الى قالبه فينتقل باذن القادر الى حيث الروح ، فتعود الصورة باذن المصور كهيئتها وتلج الروح فيها ، فاذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا.
قوله عليهالسلام : تراب كل قالب الى قالبه ، الظاهر انه الطينة التى ذكر فى الحديث المذكور آنفا انها تبقى فى القبر مستديرة الخ فانها الجزء الاصلى سمى فى هذا الحديث بالقالب كما ان البدن كله قالب للروح ، ومقتضى الجمع بين الحديثين