الثانى قياس التوبة بالاعتذار العرفى فان المسىء لو اعتذر الى المظلوم لا لانه اساء إليه بل لخوفه من عقوبة السلطان لم يقبل عذره.
اقول : فى كلا الوجهين نظر ، والحق ان الندم يحصل وان لم يكن سببه نفس فعل الحرام او ترك الواجب ، بل امر توسط بينه وبين الندم ، فتلك الواسطة ان كانت بحيث يصح معها قصد القربة فى ترك المحرم واتيان الواجب كخوف النار وحرمان الثواب فى دار القرار صحت توبته ، وان كانت بحيث تنافى ذلك كخوف الضرر ببدنه او ملامة الناس او عقوبة السلطان فلا ، والحاصل ان قيل لتارك شرب الخمر : لم تركته؟ فان قال : لقبحه فى الدين او لانه حرام او لخوف العقاب او لرجاء الثواب او للتقرب الى الله او لان الله نهانى عنه او للامن من سخطه او غير ذلك مما يرجع إليه تعالى فتوبته صحيحة ، يسقط بها عقاب ما سلف منه ، فان اجاب بما لا يرجع إليه تعالى فلا.
قول المصنف : كان الغاية ـ اى العلة الغائية الداعية للفاعل الى الفعل الباعثة له عليه ، ويقال لها الغاية باعتبار التحقق فى الوجود بعد الفعل ، والمعنى ان خوف النار فقط من دون قبح القبيح ان كان باعثا له على ترك ارتكاب الحرام وترك الاخلال بالواجب فليس ذلك بالتوبة.
قول المصنف : فلا يصح من البعض الخ ـ قول ابى هاشم الجبائى ان التبعيض لا يصح فى التوبة ولا تصح عن قبيح دون قبيح سواء كان ذلك القبيح ارتكاب حرام او ترك واجب ، ودليله ان التوبة من القبيح لا بد ان تكون لقبحه لا لامر آخر سواء انضم الى القبح شيء آخر أم لا ، فلو تاب العاصى من بعض دون بعض يكشف ذلك عن ان توبته ليست لقبح القبيح بل لامر آخر لانه لو كان داعيه الى التوبة قبح القبيح لتاب من كل قبيح لان القبح متحقق فى كل قبيح ، نعم يصح التبعيض اذا اعتقد التائب فى بعض القبائح حسنا او كان مستحقرا لقبيح فى جنب قبيح آخر كما يأتى فى كلام المصنف والشارح ، هذا كلام ابى هاشم.
واورد عليه ما نقل عن ابى على الجبائى من ان التبعيض فى ترك القبيح كالتبعيض فى ترك الواجب ، والثانى جائز بالاجماع فكذا الاول ، والجامع بينهما ان ترك القبيح