ولو بحكم الاستصحاب ، غاية الأمر أنّه مال معيوب عيبه قابل للزوال بالنقص الحاصل بإذهاب ثلثيه مع بقاء موضوعه. وبالجملة النجاسة القابلة للزوال مع بقاء الموضوع ليست رافعة لملكيّة الشيء ولا مخرجة له عن الماليّة ، بل الرافع للملكيّة المخرج عن الماليّة شرعاً وعرفاً هو النجاسة الغير القابلة للزوال مع بقاء الموضوع فيما يتوقّف منافعه المحلّلة على الطهارة ، فالعصير حال نجاسته مال عرفاً وشرعاً وملك لصاحبه ، والخمر ليس مالاً ولا ملكاً ، ولذا لو غصب العصير غاصب فأغلاه وجب عليه ردّ عينه ، وعليه ضمان مئونة إذهاب ثلثيه ، بل ضمان التالف منه بالغليان عنده بمثله في قول قويّ ، بخلاف ما لو غصبه عصيراً فصار خمراً عنده فإنّه يضمن بمثل العصير.
كما صرّح بما ذكرناه من الفرق بينهما العلّامة في غصب التذكرة معلّلاً لضمان اجرة العمل حتّى يذهب ثلثاه بعد ما ردّه إلى المالك «بأنّه ردّه معيباً ويحتاج زوال العيب إلى خسارة والعيب من فعله فكانت الخسارة عليه» (١).
واندفع بما ذكر ما ناقشه في جامع المقاصد «بعدم وضوح الفرق بين المقامين» (٢) فإنّ الفرق بينهما واضح ، ضرورة أنّ صيرورة العصير خمراً عند الغاصب لخروجها عن الماليّة والملكيّة بمنزلة التلف فوجب ضمانه بمثل العصير ، والخمر لا يزول نجاستها إلّا بزوال موضوعها والعصير مال وملك مع النجاسة ولا يزول موضوعها بزوالها ، ثمّ لا ينبغي التأمّل في جواز الانتفاع به في الأكل والشرب بعد الطهارة الحاصلة بالنقص. وعلى هذا فهو عين مملوكة قابلة للانتفاع منفعة محلّلة مقصودة ، وقضيّة ذلك أن يجوز بيعه بل مطلق التكسّب به عملاً بالعمومات من نحو قوله تعالى : «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» (٣) و «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (٤) وما أشبه ذلك وفاقاً لغير واحد ، وهو على ما قيل لازم كلّ من قيّد تحريم البيع في الأعيان النجسة بعدم قابليّتها للتطهير بغير استحالة.
نعم يظهر من المحقّق في الشرائع (٥) حيث اقتصر في الاستثناء عن كلّ مائع نجس على الأدهان لفائدة الاستصباح المصير إلى المنع ، ونسب القول به صريحاً إلى مفتاح
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٣٨٧ كتاب الغصب.
(٢) جامع المقاصد ٦ : ٢٩٣.
(٣) البقرة : ١٨٨.
(٤) المائدة : ١.
(٥) الشرائع ٢ : ٩.