بعض مشايخنا (١) وهو الأقوى ، لأصالة الإباحة في المنافع ، وأصالة براءة الذمّة عن العقاب المحتمل ترتّبه على الفعل ، واستصحاب الحالة السابقة على طروء النجاسة ، وعموم الانتفاع بما خلق في الأرض المستفاد من قوله تعالى : «وخلق لكم ما في الأرض» (٢) ولا وارد على هذه الاصول من الأدلّة ـ أو الأصل هو عدم الجواز إلّا ما أخرجه الدليل؟ كالاستصباح بالدهن تحت السماء كما نسب إلى ظاهر جماعة من القدماء (٣) وإلى صاحب مفتاح الكرامة (٤) واختاره شيخنا في الجواهر (٥) وسيأتي تفصيل الكلام في تحقيق هذا المقام في مسألة الأدهان المتنجّسة إن شاء الله تعالى.
وأمّا المقام الثاني : فقد اختلف فيه الأصحاب ففي المصابيح «المشهور فيه عدم الجواز ، لعدم قبوله التطهير».
وعن العلّامة في بعض أقواله «الجواز لقبوله التطهير» (٦).
وعن المحقّق الثاني (٧) جوازه فيما لا يتوقّف الانتفاع به على طهارته كالمايعات المقصود منها الصبغ بخلاف غيره من المائعات المقصود منها الأكل والشرب ونحوهما من الانتفاعات المشروطة بالطهارة. وعنه أيضاً القول بالجواز إن قصد مزجه بالماء المطلق إلى أن يصير ماء لطهارة المضاف باستهلاكه في الكثير المطلق.
والأصحّ هو القول الثالث. وربّما احتمل تنزيل القول المشهور عليه ، لقوّة احتمال كون مرادهم المنع عن بيعه في الأكل والشرب وغيره من الانتفاعات المحرّمة. كما ربّما يومئ إليه تعليله بعدم قبوله التطهير فإنّ التطهير وقبوله علاج يقصد به التوصّل إلى الأكل والشرب وغيرهما من منافعه المقصودة ، ولعلّ العلّامة أيضاً أراد من قبوله التطهير قبوله بمزجه في الكثير المطلق حتّى يصير مطلقاً فيكون مراده ممّا جوّزه تجويز بيعه للأكل والشرب بعد التطهير بهذا الطريق. وعلى هذا فلا مخالفة بين العلّامة والمشهور إلّا في مجرّد اللفظ أو في الموضوع. وقضيّة ما وجّهناه رجوع قول العلّامة إلى القول الرابع ،
__________________
(١) المكاسب للشيخ الأنصاري ١ : ٦٥.
(٢) البقرة : ٢٩.
(٣) كما في النهاية ٢ : ٩٨ ، والمبسوط ١ : ٥ و ٦ ، المقنعة : ٥٨٢ ، المراسم : ١٧٠ ، السرائر ٢ : ٢١٩.
(٤) مفتاح الكرامة ١٢ : ٧٨.
(٥) الجواهر ٢٢ : ٨.
(٦) كما في القواعد ٢ : التحرير ١ : ١٦٠ ، نهاية الإحكام ٢ : ٤٦٤.
(٧) جامع المقاصد ٤ : ١٣.