الأدلّة ، إذ ليس لأصحاب القول الأوّل (١) إلّا عدّة من الآيات وجملة من الروايات العامّة وغيرها مع ضميمة الإجماعات المنقولة ، وكلّها مدخولة.
أمّا الآيات فمنها قوله عزّ من قائل : «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ» (٢) فإنّ تفريع الأمر باجتناب الامور المذكورة على الرجس يدلّ على وجوب اجتناب كلّ رجس ، والمتنجّس رجس فيجب اجتنابه.
وفيه : منع الدلالة ، فإنّ الرجس لغة وإن كان هو القذر ولكن اطلق على الحرام وعلى الفعل القبيح أيضاً ، كما نصّ عليه الطبرسي في مجمع البيان (٣) وقد تقدّم نقل عبارته في مفتتح باب حرمة التكسّب بالأعيان النجسة. ومن الجائز أن يكون المراد منه هنا الحرام أو الفعل القبيح بل هو المتعيّن بقرينة عطف الميسر وما بعده ، لعدم تعقّل القذر بمعنى النجس الشرعي فيها. وعلى تقدير كون المراد من الرجس القذر المعنوي فهو بقرينة العطف المذكور لا يتمّ بالنسبة إلى الميسر وما بعده ، إلّا إذا اريد به ما ينطبق على الحرام أو الفعل القبيح.
وحاصل معنى الآية حينئذٍ أنّ شرب الخمر واللعب بالميسر وعمل الأنصاب والأزلام حرام أو قبيح من عمل الشيطان فيجب اجتنابه ، ومعنى كونه من عمل الشيطان أنّه يحصل من إغوائه وتسويله. والمحرّم والقبيح من المتنجّسات إنّما هو الأكل أو الشرب ووجوب اجتنابهما مسلّم ولا كلام فيه ، وأمّا سائر الاستعمالات فوجوب اجتنابهما أيضاً فرع على كونها محرّمة أو قبيحة وهو أوّل المسألة ، ولا بدّ أن يثبت بدليل من الخارج ولا يمكن إثباته بالآية كما هو واضح.
وقد يجاب أيضاً : بأنّ الرجس ظاهر فيما يكون رجساً في ذاته فيختصّ بالأعيان النجسة ، وهي النجاسات العشرة فلا يندرج فيه لكون نجاستها عرضيّة هذا ، مضافاً إلى أنّه لو عمّم الرجس بالقياس إلى المتنجّس أيضاً لزم تخصيص الأكثر ، ضرورة أنّ أكثر المتنجّسات لا يجب اجتنابها في غير مشروط بالطهارة ، فلئلّا يلزم ذلك وجب تقييد
__________________
(١) كذا في الأصل ، والصواب : القول الثاني.
(٢) المائدة : ٩٠.
(٣) مجمع البيان ٣ : ٤٧٨.