الرجس بما هو كذلك في ذاته ، أو تخصيص الأمر بالاجتناب بالاستعمالات المشروطة بالطهارة كالأكل والشرب وغيرهما.
مع أنّ الآية إنّما تدلّ على وجوب اجتناب ما كان رجساً من عمل الشيطان ، ومعنى كونه من عمل الشيطان أنّه من مبتدعاته ومخترعاته كالخمر والميسر والأنصاب والأزلام ، فلا يتناول المتنجّسات لأنّها ليست من عمل الشيطان ومخترعاته كما هو واضح. وإن اريد من عمل الشيطان كون عمل المكلّف حاصلاً في الخارج بإغوائه ليكون المراد بالمذكورات استعمالها على النحو الخاصّ ، فالمعنى أنّ الانتفاع بها رجس من عمل الشيطان ، كما يقال في سائر المعاصي أنّها من عمل الشيطان لحصول الجميع بإغوائه ، فلا تدلّ الآية على وجوب اجتناب الاستعمالات إلّا إذا ثبت حرمتها بدليل ، وهو في المتنجّس أوّل الكلام.
ومنها : قوله تعالى : «وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ» (١) فإنّ الرجز هو القذر ، وإن اطلق على معانٍ اخر في الكتاب العزيز مثل عبادة الأوثان والشرك والعذاب ، والقذر هو النجس أو أعمّ منه ومن القذر المعنوي ، فيعمّ المتنجّس فيجب هجرانه.
وفيه : أنّه ظاهر فيما يكون رجزاً في نفسه فلا يتناول ما يعرضه الرجزيّة ، مع أنّه لو عمّم بالقياس إلى المتنجّس بجميع أنواعه وأفراده لزم تخصيص الأكثر حسبما بيّنّاه في أجوبة الآية السابقة ، فوجب تقييده بما يكون كذلك في ذاته أو تخصيص الأمر بالهجران بخصوص الأكل والشرب وغيرهما من الاستعمالات المشروطة بالطهارة ، مع احتمال أن يراد هجرانه في خصوص الصلاة إن اريد به النجس الشرعي بقرينة أنّ تطهير الثياب معتبر للصلاة.
ومنها : قوله تعالى : «وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ» (٢) بناءً على أنّ كلّ متنجّس خبيث فيفيد تحريم مطلق الاستعمال.
وفيه : أوّلاً منع كلّيّة المقدّمة الاولى كما هو واضح ، ثانياً منع المقدّميّة ، بل الظاهر أنّ المراد هنا حرمة الأكل خاصّة بقرينة مقابلته لحلّيّة الطيّبات الّتي اريد منها خصوص الأكل.
__________________
(١) المدّثر : ٥.
(٢) الأعراف : ١٧٥.