قال : فالإماميّة منفردة بهذا المذهب ، ويدلّ على صحّة ذلك ـ مضافاً إلى إجماع الشيعة ـ قوله تعالى : «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ» (١) إلى آخر ما ذكره» (٢) ولا ريب أنّ دعوى الإجماع على النجاسة لا تستلزم دعوى الإجماع على الأحكام المتفرّعة عليها.
وإجماع الخلاف (٣) أيضاً بهذه المثابة ، فإنّ العبارة المتقدّمة منه مسوقة لبيان محلّ الوفاق والخلاف بين الخاصّة والعامّة ، وحيث نقل عن ابن داود قولاً بعدم نجاسة ما عدا السمن من الأدهان بموت الفارة فيه ، دلّ ذلك على أنّ المسألة المختلف فيها بين الخاصّة والعامّة هو نجاسة كلّ دهن بموت الفارة أو وقوع مطلق النجاسة فيه وعدمها ، وقد أفتى الشيخ بالنجاسة مطلقاً ببيان الأحكام المتفرّعة عليها ، وحكي الموافقة له في أصل النجاسة عن أبي حنيفة والمخالفة فيها عن ابن داود ، وقوله : «دليلنا إجماع الفرقة» دعوى للإجماع على النجاسة مطلقاً لا على الأحكام المتفرّعة عليها الّتي منها منع الانتفاع بالمتنجّس مطلقاً كما هو.
وإجماع الغنية : كما بيّنّاه سابقاً إجماع على الاستثناء من جواز بيع الكلب المعلّم وبيع الزيت المتنجّس للصيد والاستصباح تحت السماء لا على حكم المستثنى منه. ولو سلّم فحكم المستثنى منه إنّما هو عدم جواز بيع النجس لا حرمة سائر الاستعمالات والانتفاعات.
وبالجملة العبارات المتقدّمة المتضمّنة لدعوى الإجماع ليس بظاهرة في دعواه على حرمة مطلق الانتفاع بالمتنجّس إلّا ما ثبت جوازه بالدليل ، وإن قلنا بأنّ مختار صاحب العبارة هو ذلك. ولو سلّم ظهور العبارات أيضاً في دعواه على ذلك فهي موهونة بمصير أكثر المتأخّرين بالخلاف خصوصاً أساطينهم كالمحقّق في المعتبر (٤) والعلّامة في بعض كتبه والشهيدين في القواعد (٥) والذكرى (٦) والمسالك (٧) والمحقّق الثاني في حاشية الإرشاد (٨) وكاشف اللثام (٩) وغيره ، فإنّ كلماتهم بين صريحة وظاهرة
__________________
(١) التوبة : ٢٨.
(٢) الانتصار : ٨٨ ـ ٨٩.
(٣) الخلاف ٢ : ٥٤٤ كتاب الأطعمة.
(٤) المعتبر ١ : ١٠٥.
(٥) القواعد ٢ : ١٨٩ ، الإرشاد ١ : ٢٣٨.
(٦) الذكرى : ١٤. (٧) المسالك ٣ : ١١٩.
(٨) حاشية الإرشاد : ٢٨. (٩) كشف اللثام : ٢٩٩.