ووجّهه بأنّه يتصاعد من الدهن بسبب شدّة السخونة الحاصلة من النار مع الدخان أجزاء صغار لطيفة غير مستحيلة وتتّصل بالسقف وتنجّسه. وحكي عنه أنّه في موضع آخر فصّل بين العلم بتصاعد تلك الأجزاء فمنع من الاستصباح تحت السماء وعدم العلم به فجوّزه.
والأصحّ أنّ الحكم على تقدير صحّته تعبّد محض ، والقول الآخر في غاية الضعف لمنع صغراه وكبراه معاً فإنّ دخان النجس والمتنجّس كبخارهما على ما حقّق في محلّه ليس بنجس للأصل ، بعد ملاحظة أنّ الأحكام تدور مدار الأسماء ، ودخان شيء من الأعيان النجسة كبخاره لا يسمّى باسم ذلك النجس وهذا واضح.
ودعوى : تصاعد الأجزاء اللطيفة الغير المستحيلة ، غير مسموعة حيث لم يقم عليها برهان ، ومجرّد الاحتمال غير كافٍ. ولو سلّم فاتّصالها بالسقف غير مطّرد ، لأنّه لا يتمّ في السقوف العالية المرتفعة. ولو سلّم فحرمة تنجيس السقف محلّ منع ، إذ لا دليل على منع المالك عن تنجيس ملكه ، والأصل يقتضي عدمه.
الثاني : هل يشترط في صحّة بيع الدهن المتنجّس أن يشرط البائع على المشتري فائدة الاستصباح بأن يقول : بعتك هذا الدهن بشرط أن تستصبح به ، أو يشترط قصدهما في العقد هذه الفائدة ، أو لا يشترط شيء منهما؟ وجوه ، بل أقوال ، عزي أوّلها إلى ظاهر الحلّي حيث إنّه ـ بعد ما ذكر جواز الاستصباح بالأدهان المتنجّسة ـ قال : «ويجوز بيعه بهذا الشرط عندنا» (١).
وثانيها إلى ظاهر الشيخ في الخلاف والمبسوط حيث قال في الأوّل : «جاز بيعه لمن يستصبح به تحت السماء ، ودليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم» (٢) ونحوه مجرّداً عن دعوى الإجماع عبارة الثاني إلّا أنّه زاد قوله : «لا يجوز بيعه إلّا لذلك» (٣) وظاهره كما قيل كفاية القصد ، وهذا ظاهر غيره أيضاً ممّن عبّر بقوله «جاز بيعه للاستصباح» وما يقرب منه كالمحقّق والعلّامة في الشرائع (٤) والنافع (٥) والقواعد (٦) وغيرهما (٧) في
__________________
(١) السرائر ٢ : ٢٢٢.
(٢) الخلاف ٣ : ١٨٧.
(٣) المبسوط ٢ : ١٦٧.
(٤) الشرائع ٢ : / ٩.
(٥) النافع : ٢٤٦.
(٦) القواعد ٢ : ٦.
(٧) كما في التنقيح ٢ : ٧ ، مجمع الفائدة ٨ : ٣١ ، اللمعة : ١٠٨.