جوازه وصحّته للقاعدة المتقدّمة في بحث المسكرات الجامدة فيما اشتمل منها على منفعة محرّمة ومنفعة محلّلة المستفادة من أدلّة منع التكسّب وتحريمه من إناطة تحريم البيع وحلّه بحرمة المنفعة المقصودة وحلّها ، ولكن هذا الفرض في آلات اللهو والقمار وهياكل العبادة المبتدعة نادر ، على معنى ندرة ما اشتمل منها على المنفعتين بحيث كان الهيئة المخصوصة مشتركة بينهما ، كما اعترف به ثاني الشهيدين في المسالك حيث قال : «وإن أمكن الانتفاع بها في غير الوجه المحرّم على تلك الحالة منفعة مقصودة فاشتراها لتلك المنفعة لم يبعد جواز بيعها إلّا أنّ هذا الفرض نادر فإنّ الظاهر أنّ ذلك الوضع المخصوص لا ينتفع به إلّا في المحرّم غالباً والنادر لا يقدح ومن ثمّ أطلقوا المنع من بيعها» (١) انتهى بناءً على أنّ ندرة الفرض في كلامه صفة لوجود المنفعة المحلّلة المقصودة في هذه الأشياء لا لنفس المنفعة المحلّلة مع اطّراد وجودها بقرينة قوله : «منفعة مقصودة» فإنّ المنفعة مع الندرة لا تكون مقصودة للعقلاء.
وأمّا الصورة الرابعة ـ وهي ما كانت الجهة المحلّلة نادرة غير مقصودة ـ فالوجه فيها تحريم البيع والشراء مطلقاً ولو في الجهة المحلّلة ، لعموم أدلّة المنع المعتضد بإطلاق فتاوي الأصحاب وإطلاق معاقد الإجماعات المنقولة. ولا يجري هنا القاعدة المشار إليها لأنّ الموجود هنا حلّ الانتفاع لأجل المنفعة والمسوّغ للبيع هو الثاني لا الأوّل ، كما بيّنّاه في بحث المسكرات الجامدة أيضاً.
لا يقال : لا يستفاد من العمومات المذكورة أزيد من تحريم بيع هذه الأشياء في الجهة الغالبة الّتي هي المنفعة المقصودة للعقلاء ، وأمّا بيعها في الجهة النادرة الّتي هي من قبيل مطلق الفائدة المترتّبة عليها وإن لم تكن مقصودة من وضعها واختراعها فيبقى جوازه مستفاداً من عمومات العقود أجناساً وأنواعاً ، وقضيّة ذلك أن يكون حلّ الانتفاع أيضاً مسوّغاً للبيع ونحوه كحلّ المنفعة.
لإمكان إثبات عموم المنع لمثل ذلك بقوله عليهالسلام : «وجميع التقلّب فيه من جميع وجوه الحركات» وقوله أيضاً : «وكذلك كلّ مبيع ملهوّ به وكلّ منهيّ عنه ممّا يتقرّب به
__________________
(١) المسالك ٣ : ١٢٢.