والرجس في الجميع اريد منه النجس إلّا أنّه حيث اسند إلى الخمر كان الإسناد حقيقيّاً ، وحيث اسند إلى توابعه كان الإسناد مجازيّاً لضرب من التشبيه في استقباح المتعلّق أو وجوب اجتنابه. ففيه : أنّ الإسناد الواحد لا يتحمّل وصفي الحقيقة والمجاز ، واعتبار التعدّد في الإسناد يؤدّي إلى الاستعمال في معنيين.
وإن أراد أنّ تعدّد المبتدأ ممّا يستدعي تعدّد الخبر فيقدّر لما عدا الخمر خبراً ، فالرجس المذكور من حيث إنّه خبر للخمر اريد منه النجس ، وهذا لا ينافي أن يراد من الرجس المقدّر بالقياس إلى غيرها معنى آخر كالخباثة المعنويّة.
ففيه : أنّ التقدير خلاف الأصل ، وتعدّد المبتدأ مع صلاحية الخبر للعود إلى الجميع لا يقضي بلزومه ، ولو سلّم التقدير وجب اتّحاد المذكور والمقدّر في أصل المعنى.
وبالجملة دعوى عدم الخلاف في كون الرجس في الآية بمعنى النجس مع أنّه ليس له معنى محصّل ـ بملاحظة ما ذكرناه من وجود قرينة الخلاف ـ غير مسموعة.
ومنها : قوله سبحانه أيضاً : «وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ» (١) قال في القاموس : «الرجز القذر وعبادة الأوثان والشرك والعذاب» (٢) وإطلاق الرجس على الشرك وعبادة الأوثان مجاز يتوقّف على القرينة ، والحمل على العذاب في هذه الآية بعيد جدّاً ، فينبغي حمله على المعنى الأوّل وهو المناسب لقوله : «وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ» (٣) وفي تفسير عليّ بن إبراهيم «الرجز الخبيث» (٤) والمحكوم بنجاسته شرعاً خبيث قذر فيجب هجره بمقتضى الأمر الّذي هو من التكاليف المشتركة دون الخواصّ ، والتصرّف بالتجارة والبيع والشراء خلاف الهجر المأمور به فيكون محرّماً ، هكذا قرّره في المصابيح (٥).
ويرد عليه أوّلاً ـ بعد تسليم تعيّن الحمل على المعنى الأوّل ومجازيّة ما سواه غير العذاب ـ ما تقدّم من أنّ القذر أعمّ من النجاسة الشرعيّة والخباثة المعنويّة فلم يتعيّن كون المأمور بهجرانه في الآية هو النجس ، ولا يشهد له قوله : «وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ» لما روي عن الصادق عليهالسلام «أنّ معناه وثيابك فقصّر» (٦) ارشاداً له إلى التنزّه عن ملابس أهل الكبر
__________________
(١ و ٣) المدّثر : ٥.
(٢) القاموس ٢ : ١٧٦ (رجز).
(٤) تفسير عليّ بن إبراهيم ٢ : ٣٩٣.
(٥) المصابيح : ٥.
(٦) الوسائل ٥ : ٤١ / ١٠ ، ب ٢٣ أحكام الملابس ، مجمع البيان ٥ : ٣٨٥.