من وجوه الإجارة ، نظير أن يؤاجر نفسه على حمل ما يحرم أكله أو شربه ، أو يؤاجر نفسه في صنعة ذلك الشيء أو حفظه ، أو يؤاجر نفسه في هدم المساجد ضراراً ، أو قتل النفس بغير حقّ ، أو عمل التصاوير والأصنام والمزامر والبرابط والخمر والخنازير والميتة والدم ، أو شيء من وجوه الفساد الّذي كان محرّماً عليه من غير جهة الإجارة فيه ، وكلّ أمر منهيّ عنه من جهة من الجهات فمحرّم على الإنسان إجارة نفسه فيه أو له أو شيء منه أو له ، إلّا لمنفعة من استأجره كالّذي يستأجر له الأجير ليحمل الميتة ينحّيها عن أذاه أو أذى غيره وما أشبه ذلك» (١).
فإنّ مورده وإن كان إجارة الإنسان نفسه ولم يذكر فيه نحو المسكن والسفينة والحمولة ، غير أنّه يستفاد منه كون المناط في التحريم والفساد جعل المنفعة المحرّمة عنواناً ومورداً للعقد ، مع أنّ إجارة الإنسان نفسه فيها أيضاً من أفراد المسألة.
ثمّ اعلم أنّه ليس إجارة شيء ممّا ذكر ممّن يعلم المؤجر أنّه قصد المنفعة المحرّمة بالخصوص من عمل الخمر أو اقتنائه أو بيعه أو حمله أو نحو ذلك كبيع العنب أو الخشب ممّن يعلم أنّه يجعله خمراً أو صنماً في الجواز على ما قدّمناه من جواز ذلك على كراهية وفاقاً للمشهور ، فإنّه غير صحيح جزماً.
ووجه الفرق أنّ وُضِع عقد الإجارة لنقل المنافع وانتقالها وتمليكها وتملّكها ، وهو مركّب كسائر العقود من الإيجاب والقبول ، فالسبب هو المجموع منهما وكلّ منهما جزء للسبب فوجب تواردهما على محلّ واحد ، ولا يتأتّى ذلك إلّا بتوارد قصد المؤجر والمستأجر على محلّ واحد ، فلا بدّ أن تفسد الإجارة ممّن يعلم أنّه قصد المنفعة المحرّمة لا غير.
وقصد المؤجر لمطلق المنفعة أو خصوص المحلّلة منها لا يجدي نفعاً في تصحيحه ، لأنّ ما قصده المؤجر لم يقصده المستأجر ، وما قصده المستأجر لم يمضه الشارع ، مضافاً إلى عدم قصد المؤجر إيّاه أيضاً ، فصار وجود القبول بمنزلة عدمه لوروده على المنفعة المحرّمة.
__________________
(١) تحف العقول : ٣٣١.