وعلى هذا فيجوز التكسّب بالفيل منها بالخصوص توصّلاً إلى منفعة الحمل المقصودة منه حيّاً إن كان ممّا يتداوله نوع العقلاء في نوعه من دون توقّف له على قبول التذكية أو إلى منافع عظمها المقصودة للعقلاء المحلّلة شرعاً المطلوبة منه ميّتاً من دون توقّف له أيضاً على قبوله التذكية ، وبغيره أيضاً توصّلاً إلى منافع شحومها أو جلودها المطلوبة منها ميّتاً المتوقّفة على قبولها التذكية.
ولعلّ ما في كلام جماعة (١) من المتأخّرين تبعاً لثاني الشهيدين في المسالك (٢) من بناء الجواز على قبولها التذكية ناظر إلى ذلك أعني التكسّب بها تبعاً لمنافع جلودها أو شحومها ، لا مطلقاً حتّى ما لو كان المقصود منفعة حملها على تقدير كونه منفعة غالبة عقلائيّة أو تبعاً لمنافع عظمها إذ لا مدخليّة للتذكية في حلّ الانتفاع بتلك المنافع.
ولنا على الجواز عمومات الصحّة السليمة عمّا يوجب الخروج منها نظراً إلى عدم صدق الأكل بالباطل على أكل المال المأخوذ في مقابلها لأجل المنافع المذكورة وعدم منافاته للنبويّ «إنّ الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه» لظهور قوله : «إذا حرّم شيئاً» على ما بيّنّاه مراراً في باب الأعيان النجسة في تحريم جميع منافع الشيء أو منافعه الغالبة المقصودة للعقلاء ، وضابطه ما لو قال بقول مطلق : الشيء الفلاني حرام ، كما قال : الخمر حرام ، وحرّمت عليكم الميتة مثلاً. وهذا كما ترى غير متحقّق في الحيوانات المذكورة.
ويؤيّدها إن لم نقل بالدلالة على المطلب ما في رواية التحف من قوله عليهالسلام : «وكلّ شيء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك كلّه حلال بيعه وشراؤه» الخ.
مضافاً إلى ما تقدّم الإشارة إليه من نصوص جواز الانتفاع بعظم الفيل وبيعه وشرائه ، مثل خبر موسى بن بكر قال : «رأيت أبا الحسنعليهالسلاميتمشّط بمشط عاج ، واشتريته له» (٣).
وخبر عبد الحميد بن سعد قال : «سألت أبا إبراهيم عليهالسلام عن عظام الفيل يحلّ بيعه أو شرائه الّذي يجعل منه الأمشاط؟ فقال : لا بأس ، قد كان لأبي عليهالسلام منه مشطا وأمشاط» (٤).
وخبر الحسن بن عاصم عن أبيه قال : «دخلت على أبي إبراهيم عليهالسلام وفي يده مشط
__________________
(١) كما في الإيضاح ١ : ٤٠٤ ، التنقيح ٢ : ١٠ ، جامع المقاصد ٤ : ١٩. (٢) المسالك ٣ : ١٢٥.
(٣) الوسائل ١٧ : ١٧١ / ٣ ، ب ٣٧ ما يكتسب به ، الكافي ٦ : ٤٨٩ / ٤.
(٤) الوسائل ١٧ : ١٧١ / ٢ ، ب ٣٧ ما يكتسب به ، الكافي ٥ : ٢٢٦ / ١.