شهادات القواعد «أنّه ترجيع الصوت ومدّه» (١) وعن بعض «أنّه ترجيع الصوت وتطريبه» (٢) وفي كلام جماعة من الأصحاب المنسوب إلى المشهور «أنّه مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب» (٣).
وينبغي القطع بأنّه ليس مطلق الصوت ، وما سمعته عن المصباح المنير لعلّه قصد به بيان أنّه من جنس الصوت على حدّ ما في قولهم «السعدانة نبت» ولا مدخليّة للحسن في كون الصوت غناء لإجماعهم ظاهراً على عدم كون الصوت الحسن من الغناء ، ولا يكفي في تحقّقه مجرّد مدّ الصوت ورفعه ولا موالاته كما يستفاد من النهاية ، بل يعتبر فيه مع المدّ والرفع شيء آخر من الترجيع أو الإطراب أو كليهما.
وهل هو صوت مكيّفة بكيفيّة مخصوصة أو كيفيّة مخصوصة في الصوت ، ومرجعه إلى أنّ ما اعتبر فيه من الصفات هل هي فصول الغناء أو أجناسه؟ احتمالان ، ولا يبعد كونهما قولين كما يومئ إليه اختلاف عباراتهم المذكورة.
ويمكن الجمع بين العبارات المذكورة بدعوى أنّه لا خلاف لأحد في كون الغناء بحسب أصل اللغة عبارة عن الصوت المخصوص ، ولا ينافيه إضافة التحسين أو المدّ أو الترجيع أو الإطراب أو غير ذلك إليه كما في كلام جماعة ، لأنّ مقصودهم بذلك بيان الموضوع على الوجه الّذي يصحّ أن يتعلّق به الحكم الشرعي وهو التحريم ، فإنّ الصوت في معنى الغناء في أصله عرض من مقولة الكيف لأنّه عبارة عن الكيفيّة القائمة بالهواء المعتمد على مقطع الفم ، وهو بهذا الاعتبار لا يصلح متعلّقاً للتحريم الّذي لا يتعلّق إلّا بفعل المكلّف فلا بدّ وأن يضاف إليه في تعلّق التحريم ما يكون من مقولة الفعل كالرفع أو التحسين أو الترجيع أو الإطراب أو الردّ فأضاف من هذه الأفعال كلّ من ترجّح في نظره شيء منها فلا نزاع في معنى الغناء وأنّه عبارة عن صوت مخصوص.
ويمكن على تقدير النزاع في معناه حسبما بيّنّاه ترجيح قول من جعله عبارة عن كيفيّة مخصوصة في الصوت ، بتقريب أنّ الغناء بحسب أصل وضع اللغة وإن احتمل
__________________
(١) القواعد ٣ : ٤٩٥.
(٢) كما في الإرشاد ٢ : ١٥٦ ، التحرير ٥ : ٢٥١.
(٣) كما في الرياض ٨ : ١٥٥ ، المفاتيح ٢ : ٢٠ ، المكاسب للشيخ الأنصاري ١ : ٢٩١.