رجلاً أتى أبا جعفر عليهالسلام فسأله عن الغناء فقال له : إذا ميّز الله بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء؟ قال : مع الباطل ، قال : قد حكمت» (١) إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع.
ولم نقف في النصوص على ما ينافي روايات التحريم إلّا عدّة روايات ربّما توهّم موافقتها لمذهب المحدّث الكاشاني ومن وافقه ، مثل ما رواه في الوسائل من خبر عليّ ابن جعفر عن أخيه عليهماالسلام قال : «سألته عن الغناء في الفطر والأضحى والفرح؟ قال : لا بأس ما لم يعص به» (٢) وفي نسخة اخرى «ما لم يزمر به» قال في الكفاية : «والمراد به ظاهراً ما لم يصر الغناء سبباً للمعصية ولا مقدّمة للمعاصي المقارنة له ، وقال في تفسير النسخة الاخرى : والظاهر أنّ المراد بقوله «ما لم يزمر به * أي لم يلعب معه بالمزمار أو ما لم يكن الغناء بالمزمار ونحوه من آلات الأغاني» (٣).
ورواية أبي بصير عن كسب المغنّيات «فقال : الّتي يدخل عليهنّ الرجال حرام والّتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس وهو قول الله عزوجل : «وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي» (٤) الآية وروايته الاخرى عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «أجر المغنّية الّتي تزفّ العرائس ليس به بأس ليست بالّتي تدخل عليها الرجال» (٥).
والجواب : عدم مقاومة هذه لمعارضة ما مرّ من جهات عديدة ، مع عدم وضوح دلالتها ، فيراد بالغناء في خبر عليّ بن جعفر قراءة الأشعار المفرّحة المناسبة ليومي العيدين بالصوت الحسن المرجع فيه الغير البالغ حدّ الترجيع المطرب ، وهو المراد من قوله «ما لم يعص به» وكذلك قوله «ما لم يزمر به» في نسخة اخرى أي ما لم يبلغ حدّ صوت المزمار وهو الصوت اللهويّ المشتمل على الترجيع المطرب.
وغاية ما في روايتي أبي بصير بعد الإغماض عمّا في سنديهما الدلالة على جواز التغنّي الخالي عن دخول الرجال واستماعهم في الأعراس ، ولعلّنا نقول به فيكون ذلك مستثنى كما عليه جماعة وسيأتي الكلام في استثنائه.
__________________
(١) الوسائل ١٧ : ٣٠٦ / ١٣ ، ب ٩٩ ما يكتسب به ، الكافي ٦ : ٤٣٤ / ١٨.
(٢) الوسائل ١٧ : ١٢٢ / ٥ ، ب ١٥ ما يكتسب به ، قرب الإسناد : ١٢١.
(٣) كفاية الفقه ١ : ٤٣٣ ، والتفسير موجود في مكاسب الشيخ الأنصاري ١ : ٣٠٤.
(٤) لقمان : ٦.
(٥) الوسائل ١٧ : ١٢٠ / ١ و ٣ ، ب ١٥ ما يكتسب به ، الكافي ٥ : ١١٩ / ١ و ٣.