وإن اريد به الترجيع المطرب فالطرب الّذي يحصل به إن كان سروراً فهو لا يناسب البكاء والتفجّع ، وإن كان حزناً فهو كالحزن الحاصل منه في غير مجلس الرثاء فيكون حزناً على الآلام المركوزة في النفوس من عدم نيل المقاصد والآمال وفقد المشتهيات النفسانيّة ، لا على ما أصاب أئمّتنا وساداتنا من المصائب.
وأمّا الثاني : فلأنّ استحباب الغناء لكونه معيناً على المستحبّ ، إمّا من جهة المقدّمية بدعوى أنّه مقدّمة للبكاء الّذي هو مستحبّ فيستحبّ بضابطة أنّ مقدّمة المستحبّ مستحبّة ، أو من جهة الإعانة على البرّ المستفاد حسنه من قوله تعالى : «تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى» (١) نظراً إلى أنّ البكاء من البرّ فيندرج الإعانة عليه في عموم الآية. ولا سبيل إلى شيء منهما :
أمّا الأوّل فلوجهين :
أحدهما : أنّ المقدّمة إنّما تكتسب الحكم وجوباً أو استحباباً من ذي المقدّمة إذا كانت فعلاً لفاعل ذي المقدّمة ، على معنى كون اتّحاد فاعليهما شرطاً لوجوب مقدّمة الواجب واستحباب مقدّمة المستحبّ ، ولذا لا يجب على إنسان إحضار الماء لمن وجب عليه غسل الجنابة أو الوضوء للصلاة ، ولا يستحبّ إحضاره أيضاً لمن يستحبّ له غسل الجمعة أو الوضوء لتلاوة القرآن.
وثانيهما : أنّ مقدّمة الواجب أو المستحبّ إذا كانت محرّمة فتحريمها يؤثّر إمّا في تخصيص الوجوب أو الاستحباب المقدّمي بأفرادها المباحة إن كانت ، أو في رفع الحكم وجوباً أو استحباباً عن ذي المقدّمة مع الانحصار لئلّا يلزم التكليف بما لا يطاق ، ولذا انتقل تكليف من انحصر ماء وضوئه في المغصوب إلى التيمّم إلى أنّ وجوب ذي المقدّمة أو استحبابه يؤثّر في رفع الحرمة عن المقدّمة لتصير واجبة أو مندوبة من باب المقدّمة ، فالغناء مع قطع النظر عن مقدّميّته إن كان محرّماً فكيف يمكن أن يصير مستحبّاً لأجل كونه مقدّمة للمستحبّ.
وأمّا الثاني فلوجوه ثلاث :
__________________
(١) المائدة : ٢.