الأوّل : أنّ مفاد الآية وجوب المعاونة على البرّ والتقوى وتحريم المعونة على الإثم والعدوان لا استحبابه ، فيراد من البرّ ما كان وجوبيّاً كفعل الواجبات وترك المحرّمات فلا يندرج فيها ما نحن فيه.
الثاني : أنّ الغناء فيما نحن فيه من الإعانة على الإثم والعدوان المنهيّ عنه في الآية ، نظراً إلى أنّه كما يحرّم فعله فكذلك يحرم استماعه.
الثالث : أنّ الإعانة على البرّ من حيث خلوّها عن الجهة الملزمة للترك مستحبّة ، ومع طروّ تلك الجهة تصير محرّمة ، ولا ينافي تحريمها حينئذٍ دليل استحبابها كما عرفت مراراً.
وأضعف من الوجه دعوى كونه متعارفاً في بلاد المسلمين فإنّه إن اريد به كونه متعارفاً في مجالس الجهّال والعوام المتسامحين في الدين ، فلا اعتبار بهذا التعارف ، لأنّه ليس إلّا كتعارف سائر الفسوق والمعاصي ومنها الغناء في غير مجالس الرثاء.
وإن اريد به تعارفه في مجالس العلماء والمتورّعين من العوام ، فأصل التعارف ممنوع أوّلاً بل نرى أنّ القارين والراثين عند حضور العلماء يتحفّظون عنه ، وعدم النكير ممنوع ثانياً حيث يقع أحياناً بل شاهدنا منع العلماء والمتورّعين وإنكارهم ، وربّما خرجوا من المجلس إنكاراً ، ومن لم ينكر فلعلّه لمصيره إلى هذا القول الضعيف أو لعلمه بعدم التأثير.
ومع الغضّ عن جميع ما ذكر فالتعارف المذكور إن اريد به ما دون السيرة فلا عبرة به ، وإن اريد به السيرة الكاشفة عن تقرير المعصومين عليهمالسلام ولا تكون كاشفة إلّا إذا كانت قديمة ثابتة في أعصارهم عليهمالسلام ، وهذا غير معلوم بل خلافه معلوم ، حيث لم يكن إقامة مجلس العزاء في أعصارهم شائعة بل كانت في كمال الندرة ، وهذا النادر لشدّة التقيّة كان يقع في الخلوات ، ومن أين يعلم وقوع الغناء في مجالسهم وهم لم ينكروا على الفاعل؟ وعلى تقدير الوقوع من أين علم عدم إنكارهم؟ فهذه السيرة حادثة لا تكشف عن التقرير.
وأمّا جواز النياحة وجواز أخذ الاجرة عليها فلا تأييد فيهما ، لأنّها لا تلازم الغناء أصلاً. فقوله «والظاهر أنّها لا تكون إلّا معه» واضح المنع فلا يبقى إلّا إطلاق دليل ، وينصرف إلى ما لم يطرأه جهة منع والغناء منها. وقوله «وليس في المراثي طرب» فلعلّه