مؤمن ما رأته عيناه وسمعته اذناه فهو من الّذين قال الله عزوجل : و «الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» (١) ، فإنّ ما عدا بمفهوم الحدّ نظراً إلى ظهور قيوده في الاحتراز يدلّ على خروج المخالف من اسم الغيبة أو من حكمه ، والثاني بمفهوم الوصف يدلّ على خروجه من حكم الغيبة.
وليس للأردبيلي إلّا ما حكي «من أنّ الظاهر عموم أدلّة تحريم الغيبة من الكتاب والسنّة للمؤمنين وغيرهم ، لأنّ قوله تعالى : «وَلا يَغْتَبْ ...» الخ خطاب للمكلّفين أو للمسلمين لجواز غيبة الكافر ، وألسنة أكثرها بلفظ «الناس» و «المسلم» وهما معاً شاملان للجميع ، ولا استبعاد في ذلك ، إذ كما لا يجوز أخذ مال المخالف وقتله لا يجوز تناول عرضه. وظنّي أنّ الشهيد في قواعده جوّز غيبة المخالف من جهة مذهبه ودينه لا غير» (٢).
وفيه : ما لا يخفى ، لمنع ظهور الأدلّة في عموم التحريم ، والآية بملاحظة صدرها وذيلها تأبى عموم حكمها للمخالف فإنّها مصدّرة بقوله : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ، وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً» ومذيّلة بقوله : «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ» (٣) فالخطاب للمؤمنين والتحريم لحقّ الاخوّة لا غير ، والناس يقيّد بالمؤمن والمسلم ظاهر فيه أو يقيّد به ، ومع أنّ إطلاقه على المسلم توسّع شرعي لمراعاة جريان بعض أحكام الإسلام عليهم وإلّا فهو ليس على حقيقة الإسلام كما يدلّ عليه روايات مستفيضة قريبة من التواتر بل متواترة جدّاً ناطقة بأنّه «بني الإسلام على خمس الصلاة والزكاة والحجّ والصيام والولاية» (٤) وهم تركوا الولاية.
وبالجملة لا إشكال في جواز غيبة المخالفين ، للأصل وعدم دليل على المنع ، حتّى أنّ أدلّة تحريمها غير شاملة لهم بل أكثرها ظاهرة كالصريحة في غيرهم ، وفي بعض النصوص ما يدلّ صراحةً على جواز اغتيابهم ، بل استحبابه إن لم نقل بظهوره في الوجوب.
كالمرويّ في الصحيح عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال رسول
__________________
(١) الوسائل ١٢ : ٢٨٠ / ٦ ، ب ١٥٢ أحكام العشرة ، الكافي ٢ : ٢٦٦ / ٢.
(٢) مجمع الفائدة ٨ : ٧٨.
(٣) الحجرات : ١٢.
(٤) الوسائل ١ : ١٣ / ١ ، ب ١ مقدّمة العبادات ، الكافي ٢ : ١٥ / ٣.