القول بيان أي لا يحبّ من جنس القول إظهار السوء ، وفاعل المصدر محذوف وجوباً بدليل النفي والاستثناء وهو الأحد المنكر ، وتقديره لا يحب أن يظهر أحد السوء ، والمستثنى مفرّغ لوقوعه في كلام منفيّ حذف فيه المستثنى منه ، فيعرب بحسب اقتضاء العامل المتقدّم وهو الرفع على الفاعليّة للمصدر.
وحيث إنّ الاستثناء من النفي إثبات فيفيد أنّ الله يحبّ أن يجهر من ظلم بسوء ظالمه أي يظهر من حيث كونه مظلوماً سوء ظالمه ، والمنساق من الحيثيّة المنساقة في متفاهم العرف كون المراد من السوء سوء الظلم الّذي وقع من الظالم على المظلوم لا مطلق السوء ، وحيث إنّ الموصول باعتبار صلته ظاهر في المعنى الجنسي فيكون المستثنى عامّاً في كلّ مظلوم ، فالاستثناء حينئذٍ يفيد عموم الرخصة لكلّ مظلوم في ذكر مظلمة ظالمه عند غيره ، وإطلاقه يشمل من لا يرجى إزالة المظلمة ورفع الظلم.
وقد يتوهّم دلالة الآية على محبوبيّة ذلك لله تعالى فيفيد رجحان التظلّم الّذي أقلّ مراتبه الاستحباب. وهذا سهو ، لأنّ قوله : «لا يحبّ الله» ظاهر فيما يرادف الكراهة الظاهرة في المبغوضيّة ، فحاصل معنى نفي المحبوبيّة هو المبغوضيّة والاستثناء يفيد إثبات المحبوبيّة المرادفة لعدم المبغوضيّة وأقصاه الرخصة في الفعل بمعناها الأعمّ ، فالدلالة على الرجحان محلّ منع.
وكما أنّ توهّم هذه الدلالة سهو فكذلك ما في صريح عبارة مجمع البيان من جعل الاستثناء منقطعاً فيكون «إلّا» بمعنى لكن لرفع التوهّم أيضاً سهو ، ولعلّ منشأه زعم عدم كون المستثنى وهو قوله : «من ظلم» من جنس المستثنى منه وهو الجهر بالسوء ، ويدفعه أنّ المستثنى إذا كان مفرّغاً معرباً بحسب اقتضاء العامل الّذي هو المصدر كان عامله في الحقيقة هو جهر المظلوم بسوء ظالمه ، وهذا نوع من مطلق الجهر بالسوء الواقع في حيّز النفي فهو المستثنى في الحقيقة لا ما هو معرب بإعراب المستثنى منه المحذوف. ومع الغضّ عن ذلك نقول : بأنّ الموصول مندرج في «أحد» المنكّر المحذوف الّذي هو المستثنى منه في الحقيقة ، فانقطاع الاستثناء هنا ممّا لا معنى له أصلاً.
وقد يستدلّ أيضاً بقوله تعالى : «وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا