السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ» (١) وكأنّه لزعم أنّ المراد بالانتصار طلب النصرة ولا يكون إلّا من المظلوم في مقام التظلّم عند من يرجو إزالة مظلمته.
وفيه نظر ، لأنّ الانتصار كما فسّره المفسّرون وذكره بعض أهل اللغة ويدلّ عليه سياق الآية والقرائن الموجودة معها سبقاً ولحوقاً خصوصاً ما سبق عليها من قوله تعالى : «وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ» (٢) اريد به في الآية ما يقابل العفو وهو الانتقام ، وقوله : «ما عليهم من سبيل» يعني به سبيل المؤاخذة والمعاقبة في دار الآخرة فيفيد الرخصة في انتقام المظلوم عن ظالمه وهو أن يصنع عليه مثل ما صنعه عليه كما أشار إليه بقوله : «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها» فتكون الآية مساوقة لقوله : «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» (٣) وفي معناه قوله : «فَلا عُدْوانَ إِلّا عَلَى الظّالِمِينَ» (٤) فلا تعلّق لها بما نحن فيه.
وتوهّم : أنّ الحكمة في انتقام المظلوم إنّما هو لما فيه من شفاء الصدر وتشفّي القلب ، وهذا موجود في التظلّم أيضاً ، لأنّ المظلوم يتشفّى قلبه بمذاكرة مظلمة ظالمه في المجالس والمحافل. يدفعه : أنّه يرجع إلى استنباط العلّة من غير دلالة النصّ عليها ، فالتعدّي عن مورده إلى غيره قياس لا نقول به.
ويمكن كون مبنى الاستدلال على الفحوى والأولويّة ، بتقريب أنّ تظلّم المظلوم عن ظالمه أهون من انتقامه منه ، فلو كان مبناهما في الشريعة على التحريم كان الانتقام أغلظ حكماً وأشدّ مفسدة من التظلّم ، وإذا صحّ الترخيص في الأوّل بنصّ الآية كان الثاني أولى بالترخيص فيه. وفيه أيضاً منع ، لقصور العقول عن إدراك الحكم الخفيّة ، مع إمكان دعوى كون الأولويّة في العكس لأنّ التظلّم إشاعة سوء وهتك عرض يوجب فيه الفضيحة العظمى.
واستدلّ أيضاً [بنصوص] منها : ما روي عن مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام بسند قويّ
__________________
(١) الشورى : ٤١ ـ ٤٢.
(٢) الشورى : ٣٩.
(٣) البقرة : ١٩٤.
(٤) البقرة : ١٩٣.