غيرها من الفسوق الكبائر لإقامة الحدود وحفظ الدماء المعصومة والأموال المحترمة لئلّا يتضيّع الحقوق ولا يغلب الباطل على الحقّ ، كذا نسب إلى الشيخ في شرحه (١) للقواعد ، ولا يخفى أنّ ذكر الحدّ في هذا العنوان إمّا مثال ، أو يراد به ما يعمّ القصاص والتعزيرات المنوطة برأي الحاكم.
والدليل على جواز هذه الشهادة ـ مع كونها من الغيبة الّذي هو دليل على الاستثناء ـ أوّلاً : إجماع علماء الإسلام على ما يظهر منهم في أبواب الدعاوي والشهادات والحدود والديات الّتي يندرج فيها الشهادة بالغاصبيّة أو السرقة ، وفيها حفظ الأموال المحترمة والشهادة بالقتل أو الجناية ، وفيها حفظ الدماء المعصومة من أن تهدر والشهادة بشرب الخمر والزنى واللواط والسحق وغيرها من أنواع الفسوق ، وفيها حفظ حقوق الله من أن تتضيّع.
وثانياً : السيرة القطعيّة المستمرّة بين المسلمين في جميع الأمصار والأعصار من لدن بناء الشرع إلى يومنا هذا الكاشفة عن رضا المعصوم من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأوصيائه المعصومين عليهمالسلام.
وثالثاً : تقرير أهل العصمة من النبيّ وأهل العصمة حيث إنّ أصحابهم كانوا يشهدون في حضرتهم الشريفة بنحو الامور المذكورة ، وهم يستمعون شهاداتهم من غير نكير ولا ردع ومنع تعليلاً بأنّها من الغيبة المحرّمة.
ورابعاً : الأخبار المتكاثرة المتواترة معنىً بل البالغة فوق حدّ التواتر بمراتب شتّى الواردة في أبواب الدعاوي والشهادات والحدود الدالّة على جواز نحو هذه الشهادات بل وجوبها في الجملة.
وخامساً : الأمر بإقامة الشهادة والنهي عن كتمانها الواردين في الكتاب العزيز كقوله تعالى : «وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ» (٢) وقوله أيضاً : «وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» (٣) وقوله أيضاً : «مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً» (٤) فإنّ إطلاقها يعمّ الشهادة بأنواع الفسوق الكبائر ، وخصوص قوله تعالى : «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ
__________________
(١) شرح القواعد ١ : ٢٢٨.
(٢) الطلاق : ٢.
(٣) البقرة : ٢٨٣.
(٤) البقرة : ١٤٠.