ـ كما تقدّم (١) عن الفاضل الكاشاني والمقدّس الأردبيلي والفاضل الخراساني في الكفاية ـ إلّا أنّ الأصل والعمومات أجناساً وأنواعاً وأصنافاً كقوله تعالى : «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (٢) وقوله : «إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» (٣) وقوله : «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» (٤) وقوله عليهالسلام : «كلّ صلح جائز بين المسلمين إلّا ما أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً» (٥) وقوله عليهالسلام : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» (٦) إلى غير ذلك ، فإنّها شاملة لمحلّ البحث كما أنّ الأصل جارٍ فيه.
وليس هاهنا ما يتوهّم كونه مخرجاً عنهما إلّا النجاسة وهي غير صالحة عقلاً ولا شرعاً لعدم نهوض ما يقضي من الشرع بإناطة الحكم تكليفاً ووضعاً بالنجاسة ، وأنّه لو لا الجواز لما وقع في الشرع والتالي باطل لورود الإذن في بعض الأعيان وليس إلّا للانتفاع المحلّل ، كما في كلب الصيد بل الكلاب الأربع وفي بيع الكافر ، وفي بيع العذرة وبيع الميتة في بعض أحوالهما ، وبيع شعر الخنزير ليتّخذ حبلاً يستقى به.
والجواب عن الأصل : أنّه إن اريد به ما يفيد الجواز التكليفي قبالاً للحرمة وهو أصل الإباحة ، فيدفعه : أنّ ما تقدّم من الإجماعات والروايات ناقلة عنها ، بتقريب أنّ موضوع الأصل المذكور الأشياء المشتملة على المنفعة الخالية عن أمارة المفسدة أو مطلق ما لم يعلم حكمه بالخصوص لشبهة حكميّة تحريميّة ، وما ذكر من الإجماعات والروايات أمارة مفسدة تفيد خروج محلّ البحث عن موضوع الأصل بكلا تقريريه.
وإن اريد به ما يفيد الجواز الوضعي أعني الصحّة بمعنى ترتّب الأثر وهو أصالة الصحّة في العقود أو مطلق المعاملات ، فإن اريد به ما يعبّر عنه بالأصل الأوّلي ، فهو خلاف ما حقّق في محلّه ، من أنّ الأصل الأوّلي في المعاملات هو الفساد ، لأنّ الأصل عدم ترتّب الأثر وهو أمر حادث يشكّ في حدوثه. وإن اريد به ما يعبّر عنه بالأصل الثانوي وهو القاعدة المستفادة من عمومات الصحّة فمرجعه إلى عموم تلك العمومات ،
__________________
(١) تقدّم في ص ١١.
(٢) المائدة : ١.
(٣) البقرة : ١٨٨.
(٤) البقرة : ٢٧٩.
(٥) الوسائل ٢٧ : ٢٣٤ / ٥ ، ب ٣ أبواب كيفيّة الحكم ، الفقيه ٣ : ٢٠ / ٥٢.
(٦) الوسائل ١٨ : ٦ / ٣ ، ب ١ أبواب الخيار ، التهذيب ٧ : ٢٠ / ٨٥.