شرح القواعد (١) المصير إلى أنّه لا يبيحها ، وعن ثاني الشهيدين (٢) في رسالته في الغيبة أيضاً التصريح بالعدم ، حتّى أنّه نقل عن الفقهاء أنّهم في باب القذف صرّحوا بأنّ رضا المقذوف بقذفه لا يبيحه للقاذف ، وإن كان قد ينكر ذلك عليه بأنّه لم يذكره إلّا العلّامة ، وربّما اعترض عليه بتهافت بين كلامه هنا وكلامه في موضع آخر عند ذكر المستثنيات ، حيث إنّه في مسألة ذكر الرجل بصفته المعروفة المشعرة بالذمّ فصّل بين الأموات والأحياء فمنع في الثاني إلّا مع رضاهم.
وأمّا إطلاق الأكثر بالمنع فيمكن كونه منزّلاً على هذا القول ، نظراً منهم إلى أنّ الغيبة في تحريمها كسائر المحرّمات مثل اللواط والزنا حيث لا يباحان برضا الملوط والمزنيّ بها ، فلا تحلّ الغيبة أيضاً برضا المغتاب لاشتمالها على مفسدة ذاتيّة ومبغوضيّة عند الشارع الحكيم ، فلا ترتفعان بالرضا.
وتوهّم : التفرقة بينها وبينهما في كونهما من حقوق الله المحضة فلا مدخليّة لرضا العبد فيهما والغيبة متشبّثة بحقوق الناس أيضاً ، ولذا ورد في عدّة من الروايات «أنّ صاحب الغيبة لا يغفر له إلّا بأن يغفر صاحبه» (٣) يدفعه : بأنّ غاية ذلك أنّ الرضا يوجب سقوط حقّ المغتاب ولا ملازمة بينه وبين سقوط حقّ الله أيضاً ، فإنّه حينئذٍ نظير مال مشترك بين شريكين إذا رضي أحدهما بتصرّف أحد في المال دون الآخر حيث لا يفيد ذلك إباحة التصرّف له.
ويحتمل كون إطلاقهم منزّلاً على ما لم يقارنه رضا المغتاب بدعوى خروجه عن موضوع الغيبة أو لانصراف أدلّة التحريم إلى ما عداه.
وتحقيق المقام : أنّه لو قلنا بمنافاة الرضا للكراهة المأخوذة في ماهيّة الغيبة فلا حاجة حينئذٍ إلى التكلّم في كون الرضا مبيحاً لأنّه حينئذٍ رافع لموضوع الغيبة ، لأنّ معناه عدم الكراهة فيخرج من أدلّة التحريم خروجاً موضوعيّاً.
وقد تقدّم في البحث فيما يعتبر في مفهوم الغيبة وما لا يعتبر أنّ الكراهة معتبرة فيه
__________________
(١) شرح القواعد ١ : ٢٢١.
(٢) كشف الريبة : ٣٠١.
(٣) الوسائل ١٢ : ٢٨٠ / ٩ ، ب ١٥٢ أحكام العشرة ، أمالي الطوسي ٢ : ١٥٠.