بالنسبة إلى العادة بحيث تشبه الكرامات ، وتُوهِم أنّها من المعجزات الثابتة للنبوّات من غير استناد إلى الشرعيّات بحروز أو دعوات أو نحوها من المأثورات ، وأمّا ما اخذ من الشرع كالعوذ والهياكل وبعض الطلسمات فليست منه بل هي بعيدة عنه ، وكأنّ غرض الشارع المنع من التدليس والتلبيس في الأسباب على نحو منعه في المسبّبات وأنّ حدوث الأفعال من غير سبب يَبِين مخصوص بربّ العالمين» (١) انتهى.
ومن مشايخنا من أنكر عليه بما محصّله «أنّ السحر علم دقيق وبحر عميق له شعب كثيرة لا يبلغ كنهه إلّا الماهرون والأوحدي ، فكيف يعرفه عامّة الناس حتّى يرجع لمعرفته أهل العرف العامّ» (٢).
أقول : ويؤيّده أنّه معنى معرفته يتوقّف على التعليم والتعلّم فلا يعرفه إلّا أهله المخصوصون به ، حتّى أنّ العامّة لو سئلوا عن حقيقته وأنّه أيّ شيء لعجزوا عن تفسيره ولو إجمالاً وأظهروا الجهل به ، وإن كان ربّما يمكن أن يستشمّ من ملاحظة بعض موارد استعمالاتهم إرادة ما يرجع إلى ما عرفته عن القاموس حيث إنّهم إذا شاهدوا من أحد أمراً عجيباً وطوراً غريباً وصنيعاً لطيفاً وتعجّبوا يقولون في مدحه : إنّه قد سحر ، أي صدر منه أمر لطيف مأخذه وخفيّ سببه.
وعن فخر الدين الرازي في تفسيره عند الكلام في شرح قوله تعالى في سورة البقرة «وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ ...» (٣) الآية ، ما يظهر منه دعوى ثبوت الوضع الشرعي للفظ «السحر» على خلاف اللغة ، حيث قال : «ذكر أهل اللغة أنّه في الأصل عبارة عمّا لطف وخفي سببه ... إلى أن قال : اعلم أنّ لفظ السحر في عرف الشرع مختصّ بكلّ أمر مخفيّ سببه ، ويتخيّل على غير حقيقته ويجري مجرى التمويه والخداع» (٤).
وهذا في غاية البعد بل ينبغي القطع بانتفائه ، ولم نقف على من وافقه من أصحابنا
__________________
(١) شرح القواعد ١ : ٢٤٣.
(٢) الجواهر ٢٢ : ٨١.
(٣) البقرة : ١٠٢.
(٤) التفسير الكبير ٣ : ١٨٦ ـ ١٨٧.