ولا غيرهم ، وقوله : «ويتخيّل على غير حقيقته» قد يقال : إنّ معناه يتخيّل أنّه لا أصل ولا حقيقة له ، وهذا سهو بل معناه بقرينة قوله : «ويجري مجرى التمويه والخداع» كلّ أمر مخفيّ سببه ممّا لا أصل ولا حقيقة له يتخيّل أنّ له أصلاً وحقيقة كما هو الحال في صنع سحرة فرعون في حبالهم وعصيّهم ، ولذا قال تعالى في وصفهم : «سحروا أعين الناس واسترهبوهم» (١) وقال في وصفها في سورة طه : «يخيّل إليه من سحرهم أنّها تسعى» (٢).
ويشهد أيضاً أنّه ذكر فيما بعد العبارة المذكورة أنّ لفظ السحر إنّما يكون عند إخفاء الظاهر ، وذكر أيضاً في وجه تسمية بعض البيان سحراً في قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم «إنّ من البيان لسحراً» (٣) مع أنّ القائل إنّما قصد إظهار الخفيّ لا إخفاء الظاهر ، فقال : إنّ المقتدر على البيان يكون قادراً على تحسين ما يكون قبيحاً وتقبيح ما يكون حسناً ، فبذلك يشبه السحر.
وأمّا الجهة الثالثة : فلجماعة من فقهاء أصحابنا عبارات مختلفة في تعريفه بحيث لا يكاد يمكن الجمع بينها فمنها : ما في المسالك من «أنّه كلام أو كتابة أو رقية أو أقسام أو عزائم ونحوها يحدث بسببها ضرر على الغير. ومنه عقد الرجل عن زوجته بحيث لا يقدر على وطئها وإلقاء البغضاء بينهما ، ومنه استخدام الملائكة والجنّ واستنزال الشياطين في كشف الغائبات وعلاج المصاب واستحضارهم وتلبّسهم ببدن صبيّ أو امرأة وكشف الغائب على لسانه ، فتعلّم ذلك وأشباهه وعمله وتعليمه كلّه حرام» (٤).
ومنها : ما في الدروس «وتحرم الكهانة والسحر بالكلام والكتابة والرقية والدخنة بعقاقير الكواكب ، وتصفية النفس والتصوير والعقد والنفث والإقسام والعزائم بما لا يفهم معناه ويضرّ بالغير فعله ، ومن السحر الاستخدام للملائكة والجنّ ، والاستنزال للشياطين في كشف الغائب وعلاج المصاب ، ومنه الاستحضار بتلبّس الروح ببدن منفعل كالصبيّ والمرأة وكشف الغائب عن لسانه ، ومنه النيرنجيّات وهي إظهار غرائب خواصّ الامتزاجات وأسرار النيّرين ، ويلحق بذلك الطلسمات وهي تمزيج القوى العالية الفاعلة بالقوى السافلة المنفعلة لتحدث عنها فعل غريب ، فعمل هذا كلّه والتكسّب به حرام» (٥).
__________________
(١) الأعراف : ١١٦.
(٢) طه : ٦٦.
(٣) البحار ١ : ٢١٨.
(٤) المسالك ٣ : ١٢٨.
(٥) الدروس ٣ : ١٦٣ ـ ١٦٤.