وتوضيحه : أنّ وجوب دفع الضرر في محلّ الاحتمال أو الظنّ أو القطع قاعدة عقليّة ، لأنّ الحاكم بوجوب الدفع هو العقل المستقلّ لاستقلاله بإدراك أنّ دفع الضرر بأحد الوجوه الثلاث بحيث يستحقّ فاعله المدح وتاركه الذمّ ، وهذا وجوب عقلي يلازم الوجوب الشرعي بحكم الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ، وإذ ثبت وجوب الدفع بحكم العقل يثبت وجوب مقدّمته وهو ما يدفع به الضرر من ترك شيء أو فعله ، بحكم أنّ وجوب الشيء يستلزم وجوب مقدّماته ، وهذا هو تحرير قاعدة وجوب دفع الضرر ولا تجري إلّا فيما كانت مقدّمة الدفع محلّلة ، بأن لا يكون ما يدفع به الضرر ترك واجب شرعي أو فعل محرّم شرعي إذ لو كان كذلك لا يسلّم وجوبه من باب مقدّمة الدفع لا بمعنى أنّ الدفع واجب ولا يجب مقدّمته في صورة ما لو كان ترك واجب أو فعل حرام بل لعدم وجوب ذي المقدّمة حينئذٍ.
فالسرّ في ذلك أنّ العقل بملاحظة وجوب الواجب الّذي تركه مقدّمة للدفع ، وبملاحظة حرمة الحرام الّذي فعله مقدّمة للدفع بوجوب الدفع ، بل ومع احتمال الوجوب أو الحرمة أيضاً لا يحكم بوجوب الدفع ، بل نجده متحيّراً ومتوقّفاً في الحكم به ، وهذا هو السرّ في عدم جريان القاعدة في إفطار نهار رمضان لمن يضرّه الصوم لكون العقل متوقّفاً في الحكم بوجوب دفعه بالإفطار التفاتاً منه إلى احتمال وجوب صومه بملاحظة عموم ما دلّ على وجوب صيام شهر رمضان.
وهكذا نقول في منع جريانها في مسألة التوقّي بالسحر عن ضرر سحر الغير مطلقاً في كلّ من معنييه ، فإنّ السحر الّذي يريد المسحور استعماله للدفع أو الرفع ما لم يثبت جوازه بدليل من الخارج لا يحكم معه العقل بوجوب دفع ضرر سحر الغير باستعماله ، ولا ينافي ما ذكرناه بالقياس إلى مسألة إفطار نهار رمضان من عدم جريان القاعدة فيه كون فتوى الفقهاء من غير خلاف جواز الإفطار بل وجوبه وحرمة الصوم ، لأنّ ذلك ليس من القاعدة المذكورة بل من قاعدة نفي الضرر الّتي هي قاعدة شرعيّة مستفادة من عموم قوله : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» (١) فإنّ أصحّ معانيها على ما حقّقناه في
__________________
(١) الوسائل ٢٦ : ١٤ / ١٠ ، موانع الإرث ، الفقيه ٤ : ٢٤٣ / ٧٧٧.