فمنهم من كان يزعم أنّ له تابعاً من الجنّ يلقى إليه الأخبار ، ومنهم من كان يزعم أنّه يعرف الامور بمقدّمات أسباب يستدلّ بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله ، وهذا يختصّ باسم العرّاف كالّذي يدّعي معرفة الشيء المسروق ومكان الضالّة» (١) انتهى.
وهذا يقتضي وقوع الاختلاف في مأخذ الإخبار بالمغيب الّذي يصير الكاهن به كاهناً على قولين ، أوّلهما أنّه يأخذ الخبر من تابع له من الجنّ يقال له «الشيطان» وهو اختيار جماعة من الأصحاب ، وعن التنقيح «أنّه المشهور» (٢) وفي كلام بعض مشايخنا (٣) والمحكيّ عن الأكثر في تعريف الكاهن ما في القواعد (٤) من «أنّه من كان له رأي من الجنّ يأتيه الأخبار» والرأيّ على ما عن النهاية «يقال للتابع من الجنّ رأي بوزن كميّ» (٥) ونسب هذا القول في المحكي عن المغرب إلى الرواية قائلاً : «الكاهن أحد الكهّان وأنّ الكهانة في العرب قبل المبعث يروى أنّ الشياطين كانت تسترق السمع فتلقيه إلى الكهنة وتقبله الكفّار منهم ، فلمّا بعث صلىاللهعليهوآلهوسلم وحرست السماء بطلت الكهانة» (٦) وربّما يشهد له عدّة روايات كالمرويّ عن الأمالي عن الصادق عليهالسلام في حديث متكفّل لذكر عجائب وقعت ليلة ولادة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنّ فيه «ولم تبق كاهنة في العرب إلّا حجبت عن صاحبها» (٧) وعن ابن عبّاس في تفسير قوله : «إلّا من استرق السمع» (٨) «كان في الجاهليّة كهنة ومع كلّ واحد شيطان ، وكان يقعد من السماء مقاعد للسمع ، فيستمع من الملائكة ما هو كائن في الأرض ، فينزل ويخبر به الكاهن ، فيفشيه الكاهن إلى الناس» (٩).
ورواية الاحتجاج المتقدّمة الّتي سأل الزنديق أبا عبد الله عليهالسلام عن أسئلة منها ما تقدّم في السحر ، ومنها : ما قال : «فمن أين أصل الكهانة؟ ومن أين يخبر الناس بما يحدّث؟ قال عليهالسلام : إنّ الكهانة كانت في الجاهليّة في كلّ حين فترة من الرسل كان
__________________
(١) النهاية لابن الأثير ٤ : ٢١٥.
(٢) التنقيح الرائع ٢ : ١٣.
(٣) الجواهر ٢٢ : ٩٠.
(٤) القواعد ٢ : ٩. (٥) النهاية ٢ : ١٧٨.
(٦) المغرب : نقله عنه الطريحي في مجمع البحرين ٦ : ٣٠٥ (كهن).
(٧) أمالي الصدوق : ٢٣٥.
(٨) الحجر : ١٨.
(٩) مجمع البيان ٣ : ٢٣٢.