هذا كلّه يفيد أنّ الكهانة بحسب المأخذ أعمّ من الجميع ، وهذا ينهض قرينة أنّ المنقطع بعد ممنوعيّة الشياطين عن استراق السمع هو الفرد الكامل منها لا الماهيّة ، مضافاً إلى أنّ قوله : «واليوم إنّما يؤدّي الشياطين إلى كهّانها» يدلّ على عدم انتفاء الماهيّة بعد انقطاع الكهانة المستندة إلى استراق السمع من السماء.
ويؤيّد الرواية في اقتضاء ما ذكر بل يدلّ عليه أيضاً ما في المرويّ عن الاحتجاج ونهج البلاغة من قول مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام : «أيّها الناس إيّاكم وتعلّم النجوم إلّا ما يهتدى به في برّ أو بحر فإنّها تدعو إلى الكهانة ، المنجّم كالكاهن والكاهن كالساحر والساحر كالكافر ، والكافر في النار» (١) فإنّ الكهانة الّتي يدعو إليها النجوم هي الإخبار بالغائبات الّذي مستنده النجوم ، وهذا يقتضي كون ذلك أيضاً من الكهانة ، ولا ينافيه ما بعده من قوله : «المنجّم كالكاهن» لأنّه تشبيه له به في الحكم فلا ينافي دخوله من حيث إخباره في الاسم.
نعم ربّما يعارض الروايتين بعض الأخبار الاخر مثل خبر نضر بن قابوس قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : المنجّم ملعون ، والكاهن ملعون ، والساحر ملعون ، والمغنّية ملعونة ، ومن آواها وأكل كسبها ملعون ، وقال عليهالسلام : المنجّم كالكاهن ، والكاهن كالساحر ، والساحر كالكافر ، والكافر في النار» (٢) ومثل الخبر الصحيح المرويّ عن مستطرفات السرائر نقلاً عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن الهيثم قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إنّ عندنا بالجزيرة رجلاً ربّما أخبر من يأتيه ، يسأله عن الشيء يسرق ، أو شبه ذلك فيسأله ، فقال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذّاب يصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله من كتاب» (٣) فإنّ قرينة المقابلة تقضي بكون المنجّم قسيماً للكاهن.
ويمكن الجمع أمّا في الخبر الأوّل ، فأوّلاً لجواز كون المنجّم من حيث إنّه يعتقد
__________________
(١) تقدّم في الصفحة : ٣٢٣.
(٢) الوسائل ١٧ : ١٤٣ / ٧ و ٨ ، ب ٢٤ ما يكتسب به ، الخصال : ٢٩٧ / ٦٧.
(٣) الوسائل ١٧ : ١٥٠ / ٣ ، ب ٢٦ ما يكتسب به ، مستطرفات السرائر : ٨٣ / ٢٢.