التأثير في النجوم وقع قسيماً للكاهن ، وهذا هو الجهة الباعثة على لعنه ، وهذا لا ينافي إخباره بالغائبات استناداً إلى النجوم من الكهانة. وثانياً أنّ الخبر عن الغائبات إذا كان له في إخباره طرق متعدّدة وسمّي في الجميع كاهناً ، فهو لا ينافي كونه باعتبار خصوص استناده إلى النجوم أيضاً يسمّى بالمنجّم ، وباعتبار استناده أيضاً إلى قواعد السحر يسمّى ساحراً أيضاً ، وهكذا نقول في الخبر الثاني أيضاً.
وهذا وإن كان ضرباً من التأويل إلّا أنّ الواجب إرجاع التأويل إليهما ، لأنّ الروايتين المتقدّمتين أظهر دلالة منهما على كون ما يستند فيه إلى النجوم أو غيرها أيضاً من الكهانة ، وأمّا الروايتان الاخريان المتقدّم نقلهما عن الأمالي وابن عبّاس فهما أيضاً لا تنافيانهما كما يظهر وجهه بأدنى تأمّل.
وممّا يرشد إلى صحّة ما قلناه ـ من عدم كون الأخذ من الشيطان معتبراً في مفهوم الكهانة وماهيّتها ـ أنّ الروايات الناهية عن الكهانة إماميّة والمفروض انقطاع استراق السمع في أزمنة صدورها ، فلو كان ذلك معتبراً في مفهومها لزم خروج هذه الروايات والنهي الوارد فيها بلا مورد واللازم باطل جزماً. والرواية المذكورة كما تدلّ على عدم اعتبار هذه الخصوصيّة في الكهانة فكذلك تدلّ على عدم اعتبار خصوصيّات اخر أيضاً فيها ، مثل كون الخبر المتلقّي من الشيطان مثلاً من أخبار السماء ، ومثل كونه إخباراً عمّا يقع في المستقبل لا عمّا وقع في الماضي ومثل كونه على بتّ وجزم ، كما يظهر جميع ذلك بالتأمّل في رواية الاحتجاج ونهج البلاغة. وعلى هذا فما نسب إلى المشهور أو الأكثر أو إلى جماعة من أصحابنا من اعتبار الأخذ من الشيطان فيها ليس على ما ينبغي.
ومن أغرب ما ذكر في المقام تعريف الكهانة بعمل يوجب طاعة بعض الجانّ له واتّباعه له ويأتيه بالأخبار الغائبة كما في المسالك (١) والروضة (٢) فإنّ العمل الموجب لطاعة بعض الجانّ لا يوافق لغة معنى الكهانة مصدراً واسماً ، إذ الأوّل على ما سمعت من القاموس «قضاء بالغيب» والثاني «صنعة وحرفة» مع أنّه ليس مورداً لأدلّة التحريم كقوله عليهالسلام : «من تكهّن أو تكهّن له فقد برأ من دين محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم» (٣) كما لا يخفى.
__________________
(١) المسالك ٣ : ١٢٨.
(٢) الروضة ٣ : ٢١٥.
(٣) الوسائل ١٧ : ١٤٩ / ٢ ، ب ٢٦ ما يكتسب به ، الخصال : ١٩ / ٦٨.