التحريم هنا استرابة لإطلاق أدلّة المنع ، فلا أقلّ من التزام فساد البيع لكون المبيع ممّا لا يملكه المسلم ولا يدخل في ملكه على ما ستعرفه.
الثانية : يحرم شرب الخمر اختياراً بالإجماع الضروري بل بضرورة من دين الإسلام ، ولأجل ذا يكون مستحلّه من أهل الإسلام كافراً ، والآيات الكتابيّة المتقدّم ذكرها أيضاً ناطقة بذلك ، والأخبار القاضية به صراحةً وظهوراً متواترة لفظاً ومعنى بل بالغة فوق حدّ التواتر بمراتب شتّى. ويمكن الاستدلال عليه أيضاً من طريق العقل ، فإنّ تناول ما يزيل العقل بل الإيمان أيضاً على ما نطق به بعض الأخبار قبيح عقلاً وفاعله مستحقّ لذمّ العقلاء المعتدلين.
وإذا اضطرّ إلى شربها لإزالة العطش المفرط المؤدّي إلى التلف أو المرض أو المشقّة الّتي لا تتحمّل عادةً ، فعن الشيخ في المبسوط (١) «أنّه لا يجوز شربها ودفع الضرورة بها» للاحتياط وعموم الأدلّة الدالّة على تحريم الخمر وخصوص قول الصادق في خبر أبي بصير المضطرّ : «لا يشرب الخمر فإنّها لا تزيده إلّا شرّاً ، ولأنّه إن شربها قتلته فلا يشرب منها قطرة» (٢) وعن الصدوق «وروي لا تزيده عطشاً» (٣).
خلافاً لجماعة منهم ابنا سعيد (٤) وإدريس (٥) من المتقدّمين ، والفاضلان في الشرائع (٦) والقواعد (٧) من المتأخّرين ، ثمّ بعدهما كاشف اللثام (٨) وثاني الشهيدين في المسالك (٩) وغيرهما (١٠) وهو مختار الشيخ في النهاية (١١) وفي المسالك ١٢ «مذهب الأكثر» لأنّ حفظ النفس في نظر الشارع أهمّ من ترك المحرّمات ، ومفسدة هلاك النفس أقوى من مفاسد ارتكاب المحرّمات ، وقاعدة وجوب دفع الضرر الّذي هو حكم عقلي ، وقاعدة كلّما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر ، وقاعدة نفي الضرر والضرار الّتي مفادها
__________________
(١) المبسوط ٦ : ٢٨٨.
(٢) الوسائل ٢٥ : ٣٧٨ / ٣ ، ب ٣٦ الأشربة المحرّمة ، علل الشرائع : ٤٧٨ / ١.
(٣) الوسائل ٢٥ : ٣٧٩ / ٤ ، ب ٣٦ الأشربة المحرّمة ، علل الشرائع : ٤٧٨ / ذيل الحديث ١.
(٤) الجامع للشرائع : ٣٩٤.
(٥) السرائر ٣ : ١٢٦. (٦) الشرائع ٣ : ٢٣٠.
(٧) القواعد ٣ : ٣٣٣.
(٨) كشف اللثام ٩ : ٣٢١.
(٩ و ١٢) المسالك ٢ : ٢٥١.
(١٠) كما في كفاية الأحكام : ٢٥٤.
(١١) النهاية ٣ : ١١١.