فلو لم يكن عالماً بعلم النجوم ما نظر فيها وما قال «إِنِّي سَقِيمٌ» وإدريس عليهالسلام كان أعلم أهل زمانه بالنجوم ، والله تعالى قد أقسم بمواقع النجوم «وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ» (١) وقال في موضع آخر : «وَالنّازِعاتِ غَرْقاً إلى قوله فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً» (٢) ويعني بذلك اثنى عشر برجاً ، وسبعة سيّارات والّذي يظهر بالليل والنهار بأمر الله عزوجل ، وبعد علم القرآن ما يكون أشرف من علم النجوم ، وهو علم الأنبياء والأوصياء وورثة الأنبياء الّذين قال الله عزوجل : «وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» (٣) ونحن نعرف هذا العلم وما نذكره. فقال له هارون : بالله عليك يا موسى هذا العلم لا تظهروه عند الجهّال وعوامّ الناس حتّى لا يشنّعوا عليك ونفس العوام به وغطّ ، وارجع إلى حرم جدّك. ثمّ قال له هارون : وقد بقي مسألة اخرى بالله عليك أخبرني بها ، فقال : سل ، فقال له : بحقّ القبر والمنبر وبحقّ قرابتك من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أخبرني أنت تموت قبلي أو أنا أموت قبلك لأنّك تعرف هذا من علم النجوم؟ فقال له موسى عليهالسلام : آمني حتّى اخبرك ، فقال : لك الأمان ، فقال : أنا أموت قبلك وما كذّبت ولا أكذب ووفاتي قريب» (٤).
بل في بعض الأخبار ما هو صريح في عدم المنع منه ، غايته أنّه لا ينتفع به ، ففي المرويّ عن الكافي عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن ابن فضّال عن الحسن بن أسباط عن عبد الرحمن بن سيّابة قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : جعلت فداك إنّ الناس يقولون : إنّ النجوم لا يحلّ النظر فيها ، وهي تعجبني ، فإن كانت تضرّ بديني فلا حاجة لي في شيء يضرّ بديني ، وإن كان لا يضرّ بديني فو الله أنّي لأشتهيها وأشتهي النظر فيها ، فقال : ليس كما يقولون لا تضرّ بدينك ، ثمّ قال : إنّكم تنظرون في شيء منها كثيره لا يدرك وقليله لا ينتفع به» (٥).
فإنّ ذلك ونظائره لا بدّ وأن ينزّل على أنّ الإمام عليهالسلام علم من حال السائل أنّ علمه بالنجوم لا يفضيه إلى فساد عقيدة ، ولا إلى الوقوع في حيثيّة من الحيثيّات القبيحة
__________________
(١) الواقعة : ٧٦.
(٢) النازعات : ١.
(٣) النحل : ١٦.
(٤) البحار ٥٥ : ٢٥ ـ ٢٥٣.
(٥) الوسائل ١٧ : ١٤١ / ١ ، ب ٢٤ ما يكتسب به ، الكافي ٨ : ١٩٥ / ٢٣٣.