لزوم خلاف وضع عقود المعاوضة من وقوع العوضين معاً لشخص واحد هو أحد المتعاقدين ، وأمّا الثاني فلفرض اعتبار المباشرة فيه ، ومعناه عدم قبوله التسبيب ولا النيابة ، فيكون أخذ الاجرة على التقديرين أكلاً للمال بالباطل فيحرم.
وأمّا النوع الثاني : فحكمه أنّه يقع مورد لعقد الإجارة ويحلّ أخذ الاجرة عليه ، ولا يعتبر فيه قصد النيابة ولا النيّة ، وقصد القربة من العامل وهو البنّاء في بناء المسجد مثلاً لكون النيّة في نحوه وظيفة الباني فإنّه ببنائه على وجه التسبيب ينوي القربة.
والسرّ فيه أنّ فعل البناء من عامله وهو البنّاء إذا لم يقترنه النيّة وقصد القربة منه كان من أفعاله المباحة ، وهذا الفعل المباح يقع للباني ويعود نفعه وفوائده والثواب المعدّ له إليه ، ولأجل ذلك يصلح مورداً لعقد الإجارة ويملك الاجرة المجعولة بإزائه ، ومن هذا القبيل عمل الراثين والذاكرين والقارين لمصائب مولانا الشهيد عليه وعلى أصحابه الشهداء آلاف تحيّة وثناء في أخذهم الاجرة من البانين ، فإنّ إقامة العزاء لهم عليهمالسلام على ما استفيد من أدلّة استحبابها أعمّ ممّا يحصل بمباشرة المكلّف وما يحصل بتسبيبه ، والقاري الراثي إذا لم ينو بفعله القربة كان من أفعاله المباحة ويعود نفعه وفوائده إلى الباني الآمر له بالقراءة ، حيث استفيد من أدلّة استحباب إقامة العزاء كونها أعمّ ممّا يحصل بطريق التسبيب.
وأمّا النوع الثالث : فحكمه أنّه أيضاً يقبل الإجارة ويؤخذ فيه الاجرة ، كما في الاستيجار على الحجّ وفوائت الميّت وغيرهما من الأمثلة المتقدّمة ، ولكنّه يعتبر فيه من العامل قصد النيابة وقصد القربة معاً.
والسرّ في الجميع أنّه قد ذكرنا أنّ عقد الإجارة لا يجري إلّا في عمل يصحّ عوضاً للُاجرة ، بأن يكون بحيث يعود نفسه أو منفعته إلى المستأجر ، ومن منافع عمل الإنسان في نوع ما يقبل النيابة قيامه مقام عمل غيره فله حينئذٍ أن يقيم عمله مقام عمل ذلك الغير تبرّعاً أو بأُجرة ، فعقد الإجارة يقع على ذلك وفائدته قيام عمله مقام عمل ذلك الغير لأنّه بعد إقامة عمله مقام عمل الغير صار هو بمنزلة ذلك الغير ، فيصير عمله الواقع منه في الخارج عمله ويكون تقرّبه وقصده للتقرّب تقرّبه وقصده ، ويكون جميع الفوائد