واستحقّه من غير جهة هذا العقد ، ولا يعقل تملّكه له واستحقاقه له ثانياً من جهته فإذا لم يؤثّر في تملّك المعوّض واستحقاقه لم يؤثّر في تملّك العوض أعني الاجرة واستحقاقه ، فيكون أخذها أكلاً للمال بالباطل.
وهل الأعمال الواجبة بالشرع على الإنسان من قبيل أعماله الّتي له الامتناع من الإتيان بها ، ولو امتنع لا يجوز استخراجها منه مجّاناً إلّا برضاه وطيب نفسه ، أو من قبيل أعماله الّتي ليس له الامتناع عن الإتيان بها ، ولو امتنع جاز إجباره عليه واستخراجها منه قهراً ، من غير توقّف على رضاه وطيب نفسه؟
والحقّ أنّ فيه تفصيلاً وذلك لأنّ العمل الواجب على المكلّف إمّا عيني تعييني أو تخييري أو كفائي ، فإن كان عينيّاً تعيينيّاً فهو ممّا لا يجوز له الامتناع من الإتيان به ، ولو امتنع جاز استخراجه منه مجّاناً من غير رضاه وطيب نفسه ، بل يجب ذلك مع الامتناع من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فيجب على الآمرين بالمعروف حمله على الإتيان به ولو بإجبار وإكراه ، وهذا ممّا لا يقع عليه عقد الإجارة ولا يؤخذ عليه الاجرة ، لما تقدّم من أنّ عقد المعاوضة لا يؤثّر في تملّك العوض واستحقاقه إلّا حيث أثّر في تملّك المعوّض واستحقاقه ، والمفروض أنّ العمل المذكور ما ملّكه باذل الاجرة أو استحقّه من جهة إيجاب الشارع له عليه عيناً على وجه التعيين ويجب عليه الإتيان به وبذله لمالكه ومستحقّه مجّاناً.
ولا يتفاوت الحال في ذلك بين كونه تعبّديّاً متوقّفاً على الإخلاص وقصد القربة كقضاء فوائت الميّت على وليّه ـ أعني أكبر أولاده ـ فلا يجوز له أخذ الاجرة على أصل هذا العمل الواجب عليه من الوصيّ من ثلثه أو من وارث آخر أو غيرهما من متبرّع ونحوه ، أو توصّليّاً لم يعتبر فيه إخلاص ولا نيّة قربة كإنقاذ الغريق في موضع انحصار من يغوص في الماء لإنقاذه فيه فإنّه ليس له الامتناع من إنقاذه حينئذٍ ولا يستحقّ الاجرة لو بذلت له ، لأنّ الإنقاذ قد ملكه الغريق واستحقّه بإيجاب من الشارع ، وعقد الإجارة لا يؤثّر فيه ملكاً آخر له ولا استحقاقاً آخر غير الاستحقاق الأوّل من غير فرق في ذلك بين كون باذل الاجرة هو الغريق نفسه أو وليّه كما لو كان