دفع عنه وليّه ، وإلّا جاز للطبيب العمل بقصد الاجرة فيستحقّ الاجرة في ماله ، وإن لم يكن له مال ففي ذمّته فيؤدّي في حياته أو بعد مماته من الزكاة أو غيرها.
ويزيّفه : أنّ قصد التبرّع بالعمل وقصد أخذ الاجرة عليه من قبيل الدواعي فيكونان من الحيثيّات التعليليّة ، فلا يتعدّد بهما العمل بل العمل واحد ، وهو إذا كان واجباً بأصل الشرع فالمكلّف مقهور على التبرّع به ، ولا قدرة له في الامتناع عنه فلا يقع عليه عقد الإجارة ، فلو وقع يكون لغواً غير مؤثّر لا في إيجاب العمل ثانياً ولا في استحقاق الاجرة بإزائه.
والتحقيق في التفصّي أن يقال : إنّ الصناعات وإن كانت تنتظم بها المعاش ويتوقّف عليها إقامة النظام لكن لا في حدّ ذاتها ، بل بواسطة التكسّب المتوقّف عليها.
وتوضيحه : أنّ العمدة ممّا يتوقّف عليه إقامة النظام الأموال المتوقّف حصولها على التكسّب ، فإنّ كلّ إنسان في نظم معاشه وانتظام اموره في دينه ودنياه حتّى أرباب الصنائع يحتاج لمأكله ومشربه وملبسه ومنكحه ودفع المضارّ عن نفسه وحفظ نفسه عن الهلاك وعلاج مرضه وغير ذلك ممّا لا يحصى إلى امور كثيرة غير محصورة ، لا يمكن التوصّل إليها في الغالب إلّا ببذل الأعواض وصرف الأموال ، فله بحسب جهات احتياجه جهات خرج كثيرة غير محصورة.
ولا ريب أنّ جهات الخرج تستدعي جهة دخل ، والغالب في آحاد نوع الإنسان كون دخله في جهة واحدة فالتاجر في تجارته ، والزارع في زراعته ، والفلاح في فلاحته ، والحارث في حرثه ، والحاصد في حصاده ، والفصّاد في فصده ، والحجّام في حجامته ، وكذلك كلّ صانع في صنعته بأن يتّخذها وسيلة لتحصيل المال ليكفيه في جهات خرجه ، حتّى أنّ الطبيب في طبابته.
وكما أنّ التاجر لو منع من التكسّب وتحصيل المال بتجارته ، والزارع لو منع من تحصيل المال بزراعته لاختلّ نظام اموره في دينه ودنياه ، فكذلك كلّ صانع لو منع من تحصيل المال بصنعته بأن يكون اتّخاذه لها وسيلة لكسب المال محرّماً عليه لاختلّ نظام اموره في دينه ودنياه ، فإقامة نظام النوع متوقّفة على انتظام امور كلّ شخص في