يرغبون في الصناعات الشاقّة أو الدقيقة طمعاً في الاجرة بل زيادتها على ما اعتيد أخذه في غيرها ، فتسويغ أخذ الاجرة عليها لطف في التكليف بإقامة النظام.
ويزيّفه أوّلاً : انتقاض طرده بالواجبات العينيّة التعبّديّة الّتي يكثر المعصية بتركها ، فينبغي أن يسوّغ فيها الاجرة أيضاً لكونه لطفاً في التكليف بها.
وثانياً : انتقاض عكسه ، بأنّ المشاهد في الناس أنّ تحمّلهم الصنائع الشاقّة من الكفائيات لا يكون لداعي زيادة الاجرة فيها بل لدواعي اخر ، مثل عدم الميل إلى ما عدا ما اختاروه ، أو عدم قابليّتهم لغير المختار ، وحسبك شاهداً بذلك أنّ أغلب الصنائع الشاقّة كالعمالة والفلاحة والحرث والحصاد وما أشبه ذلك لا يزيد اجرتها على ما عداها من الأعمال السهلة الغير الشاقّة.
سابعها : أنّ الوجوب في هذه الامور مشروط بالتعويض والواجب المشروط قبل حصول شرط وجوبه ليس بواجب ، فعقد الإجارة الّتي يشترط فيها العوض يقع على العمل قبل وجوبه ، والاجرة يستحقّها الأجير بسببه فيجب العمل حينئذٍ.
ويزيّفه أوّلاً : ما أنّ هذه الأعمال لا تجب لذواتها بل لتوقّف إقامة النظام عليها ، ولا ريب أنّ إقامة النظام واجب مطلق ، وليس وجوبها مشروطاً بالتعويض فكيف يتصوّر كون ما يجب لأجلها واجباً مشروطاً بالتعويض؟!.
وثانياً : أنّ قضيّة البيان المذكور استناد وجوب هذه الامور إلى عقد الإجارة وأخذ الاجرة فلا يكون بأصل الشرع كسائر ما يلتزمه الإنسان بعقد الإجارة ، مع أنّ الضرورة قاضية بأنّها من الواجبات بأصل الشرع ، غاية الأمر كونها واجبات غيريّة.
ثامنها : أنّ وجوب الصناعات المذكورة لم يثبت من حيث ذاتها بل إنّما وجب من حيث الأمر بإقامة النظام ، وإقامة النظام غير متوقّفة على العمل تبرّعاً بل يحصل به وبالعمل بالاجرة ، فالّذي يجب على الطبيب لأجل إحياء النفس وإقامة النظام هو بذل نفسه للعمل لا بشرط به بل له أن يتبرّع به وأن يطلب الاجرة ، وحينئذٍ فإن بذل المريض الاجرة وجب عليه العلاج ، وإن لم يبذل الاجرة والمفروض إفضاء ترك العلاج إلى الهلاك أجبره الحاكم حسبة على بذل الاجرة للطبيب ، وإن كان المريض مغمى عليه