وكلاهما ممنوعان ، لفقد النصّ في المسألة وعدم ثبوت الإجماع على إطلاق المنع بل الثابت خلافه على ما عرفت ، بل العمدة من مدرك القاعدة هو المنافاة الذاتيّة بين أخذ الاجرة وصفة الوجوب ، فالمنع عقلي ، والتخصيص في القواعد العقليّة محال.
ثالثها : الالتزام بجواز أخذ الاجرة على الواجبات إذا لم تكن تعبّديّة كالصناعات.
ويزيّفه أوّلاً : انتقاض عكسه بمثل دفن الميّت وإزالة النجاسة عن المسجد وما أشبه ذلك.
وثانياً : أنّه إنّما إذا كان مستند المنع منافاة أخذ الاجرة للإخلاص ، وقد عرفت أنّ العمدة من مستنده منافاته لصفة الوجوب ، فلا يتفاوت الحال بين التعبّدي والتوصّلي.
رابعها : اختصاص جواز أخذ الاجرة بصورة قيام من به الكفاية ، فلا يكون حينئذٍ واجباً.
ويزيّفه الفتوى والعمل ، أمّا الأوّل فلأنّ فتوى الأصحاب مطلقة في صورتي قيام من به الكفاية وعدم قيامه ، بل ظاهر كلامهم جوازه مع بقاء الوجوب بل مع تعيّنه أيضاً كما عرفت.
وأمّا الثاني فلأنّ المعلوم من عمل المسلمين بذل الاجرة وأخذها مطلقاً ، بل الغالب فيها ما يأخذه من قام به الكفاية حال قيامه بالعمل ، كالطبيب والفصّاد والحجّام وغيرهم تراهم يأخذونها حال القيام ، مع أنّه لا يعقل له مورد غالباً بعد قيام من به الكفاية.
خامسها : اختصاص المنع والحرمة بالواجبات الكفاية المقصودة لذواتها كواجبات الميّت وتعليم وما أشبه ذلك ، لا ما يجب لغيره كالصناعات فإنّها وجبت لإقامة النظام.
ويزيّفه أوّلاً : أنّه لا فرق في دليل المنع من المنافاة الذاتيّة ، فالدليل عقلي وهو لا يقبل التخصيص.
وثانياً : أنّ الصنائع إذا وجبت لإقامة [النظام] فأخذ الاجرة عليها راجع بالأخرة إلى أخذها على إقامة النظام ، وهي واجبة لذاتها.
سادسها : أنّه كما وجبت الصنائع لإقامة النظام كذلك يجوز أخذ الاجرة عليها لإقامة النظام أيضاً ، وبعبارة اخرى أنّ مصلحة إقامة النظام كما تدعو إلى إيجاب هذه الواجبات كذلك تدعو إلى تسويغ أخذ الاجرة عليها ، إذ لو لا جوازه لاختلّ النظام بوقوع أكثر الناس في المعصية بتركها أو ترك الشاقّ أو الدقيق منها طلباً للأسهل ، فإنّهم