القربة بمعنى كون الداعي إليه امتثال الأمر الاستحبابي أو الإخلاص إن تحقّق معه داعي امتثال الأمر أيضاً ، وأيّاً ما كان فهو موجب لبطلان العمل ، وهو موجب لعدم حصول الفائدة المطلوبة منه ، وهذا هو معنى الاستدلال على المنع بمنافاة أخذ الاجرة لقصد القربة والإخلاص.
فما أورد عليه من منع المنافاة لأنّ أخذ الاجرة يؤكّد القربة والإخلاص لأنّ عقد الإجارة يقضي بوجوب العمل والوجوب زيادة على الاستحباب مؤكّدة للقربة والإخلاص لا أنّها تنافيهما ، واضح الدفع بأنّ حصول هذه الزيادة المؤكّدة فرع على صحّة العقد ، وهي مع تحقّق داعي استحقاق المستأجر في المستحبّ غير معقولة ، وهذا هو معنى ما ذكرناه من أخذ الاجرة يلزم من وجوده عدمه.
والثاني : ما يجوز أخذ الاجرة عليه ، لأنّ غاية ما يلزم من داعي استحقاق المستأجر للعمل المستأجر عليه خروج العمل الموجود في الخارج من كونه مستحبّاً ، لا انتفاء الفائدة المقصودة منه ، لفرض عدم ارتباطها بالقربة والإخلاص ، كقضاء الحاجة الغير المرتبط حصوله بحصول السعي على صفة الاستحباب.
ومن فروع هذا القسم جواز أخذ الاجرة على مستحبّات تجهيز الميّت ، كما أنّ من فروع القسم الأوّل عدم جواز أخذ الاجرة على الإمامة وهو الصلاة بالناس جماعة ، كما هو المصرّح به في كلام جماعة (١) وربّما نفي الخلاف (٢) فيه. ويدلّ عليه خبر محمّد بن مسلم المرويّ في باب شهادات الفقيه عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «لا تصلّ خلف من يبغي على الأذان والصلاة بين الناس أجراً ، ولا تقبل شهادته» (٣) وهو نصّ في الحرمة بل كونه من الكبائر القادحة في العدالة ، ولذا لا يصلّى خلفه ولا يقبل شهادته ، نظراً إلى إطلاق الرواية الشامل لأخذها مرّة واحدة.
ويعضدها القاعدة الّتي ضابطها ما بيّنّاه ، وملخّصه أنّ ما كان انتفاع الغير به موقوفاً على وقوعه على وجه القربة والإخلاص ، وهذا لا يجامع ما يقع لأجل استحقاق الغير
__________________
(١) كما في النهاية : ٣٦٥ ، السرائر ٢ : ٢١٧ ، التذكرة ١ : ٥٨٣ ، مجمع الفائدة ٨ : ٩٣.
(٢) كما في الرياض ٨ : ١٨٢.
(٣) الوسائل ٢٧ : ٣٧٨ / ٦ ، ب ٣٢ أبواب الشهادات ، الفقيه ٣ : ٢٧ / ٧٥.