الثانية : أن تكون الشبهة محصورة بين محلّ ابتلاء هذا المكلّف وبين غيره ممّا لا يبتلى به أصلاً ، كأن يكون المغصوب المعلوم وجوده في أموال الظالم المجيز مردّداً بين الجائزة وبين الجارية المعدودة من خواصّ نساء الظالم مثلاً.
ففي هاتين الصورتين يجوز أخذ الجائزة والتصرّف فيها مطلقاً ، للأصل ، وإطلاق معقد الإجماع ، والنصوص المتقدّمة ، مضافاً إلى الإجماع على عدم وجوب الاجتناب عن الشبهة الغير المحصورة.
ولا يقدح في الثانية كون الشبهة محصورة ، لأنّ من شرط وجوب الاجتناب من الشبهة المحصورة تنجّز التكليف بوجوب الاجتناب عن الحرام الواقعي المشتبه ليجب الاجتناب عن جميع أطراف الشبهة مقدّمة ، ومن شرط وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعي كونه مردّداً بين أمرين كلّ منهما محلّ ابتلاء للمكلّف ، إذ بدونه يحتمل كون المحرّم الواقعي غير محلّ الابتلاء فلا يكون هذا المكلّف مخاطباً بالاجتناب عنه ، حتّى أنّه لو كان معلوماً بالتفصيل لم يكن مخاطباً بالاجتناب فكيف به إذا كان مشتبهاً؟!.
نعم ذكر جماعة (١) أنّ الأفضل في الصورتين التورّع عنها ومعناه كراهة أخذها ، وفي الرياض (٢) بلا خلاف ، لشبهة الحرمة المقتضية لحسن الاحتياط عقلاً ، مضافاً إلى عمومات الاحتياط كقوله عليهالسلام : «أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت» (٣) وقوله : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» (٤) وقولهم عليهمالسلام : «من ترك الشبهات نجى من المحرّمات» (٥) مضافاً إلى أنّ أخذ المال منهم يوجب محبّتهم فإنّ القلوب مجبولة على حبّ من أحسن إليها ، ويترتّب عليه من المفاسد ما لا يخفى ، وفي الصحيح «أنّ أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلّا أصابوا من دينه مثله» هذا مع إمكان اندراجه في عموم قوله تعالى : «وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» (٦).
__________________
(١) كما في النهاية : ٣٦٧ ، والمنتهى ٢ : ١٠٢٦ والحدائق ١٨ : ٢٦٨.
(٢) الرياض ٨ : ٢٠٦.
(٣) الوسائل ٢٧ : ١٦٧ / ٤٦ ، ب ١٢ أبواب صفات القاضي ، أمالى الطوسي ١ : ١٠٩.
(٤) الوسائل ٢٧ : ١٧٠ / ٥٤ ، ب ١٢ أبواب صفات القاضي ، كنز الفوائد : ١٦٤.
(٥) الوسائل ٢٧ : ١٥٧ / ٩ ، ب ١٢ أبواب صفات القاضي ، التهذيب ٦ : ٣٠١ / ٨٤٥.
(٦) هود : ١١٣.