والظاهر أنّ مورد كلامه ما إذا أخذ الودعي المال من الغاصب جهلاً بغصبه ثمّ تبيّن له ، وهو الّذي حكم هنا بعدم الضمان لو استردّه الظالم المجيز أو تلف بغير تفريط. أقول : محصّل الإيراد أنّ المسألتين من وادٍ واحد ، فالفرق بينهما تحكّم ، إذ الجهل في القبض إن صلح رافعاً للضمان وجب كونه رافعاً في المقامين ، وإلّا لم يزل الضمان فيهما معاً.
واختار العلّامة في التذكرة تفصيلاً آخر حيث قال : «ولا يجوز له إعادتها إلى الظالم ، فإن أعادها ضمن إلّا أن يقهره الظالم على أخذها فيزول التحريم ، أمّا الضمان فإن كان قد قبضها اختياراً لم يزل عنه بأخذ الظالم لها كرهاً ، وإن كان قد قبضها مكرهاً زال الضمان أيضاً» (١) انتهى.
ولعلّ مستنده رحمهالله قوله عليهالسلام : «وما استكرهوا عليه» في حديث «رفع عن امّتي تسعة» بناءً على حمله على إرادة رفع جميع الأحكام الّتي منها الضمان. وفيه منع ، لكون المرفوع في التسعة بعد صرفه عن أعيانها هو المؤاخذة خاصّة.
ومن مشايخنا من فصّل بما محصّله «أنّه إن أخذها بنيّة الردّ إلى مالكها لا ضمان عليه بالاسترداد القهري لكونه محسناً ، فيعمّه نفي السبيل على المحسنين ، وهذا حاكم على عموم على اليد. وإن أخذها لا بنيّة الردّ ضمن ، سواء كان حين القبض عالماً بغصبيّته أو جاهلاً مختاراً في قبضه أو مكرهاً كالتقيّة ، لعموم على اليد» (٢).
لا يقال : إنّ الضمان بالقبض يتبع تحريمه ولا تحريم مع الإكراه والتقيّة فلا ضمان ، لوضوح منع الملازمة فإنّ الأحكام الوضعيّة لا تناط بشرائط الأحكام التكليفيّة ولا بموانعها وروافعها إلّا على تقدير حمل حديث رفع التسعة على رفع جميع الأحكام ، وقد عرفت منعه ، ولا عموم في أدلّة التقيّة بحيث يجدي في المقام ، لأنّ وظيفة التقيّة تتأدّى بالأخذ بقصد الردّ فيكون الأخذ لا بهذا القصد محرّماً وموجباً للضمان. ومن ذلك يظهر أنّه لو سلّمنا الملازمة المذكورة نمنع ارتفاع التحريم في مطلق القبض إذ لا إكراه في القصد. وهذا التفصيل جيّد ، لأنّه أوفق بالأدلّة والقواعد فهو المختار.
وهل يجب أخذها من الظالم بنيّة الردّ إلى المالك؟ الوجه لا ، لعدم العثور على دليل
__________________
(١) التذكرة ١٢ : ١٥٢.
(٢) المكاسب ١ : ١٨٢ ـ ١٨٣.